من الواضح ان اشكال الحكم المختلفة تبتني على اسس وقواعد تتناسب من حيث الافكار والمتبنيات مع تلك الاشكال، وتنسجم وتتناغم مع المجتمعات المراد تطبيق تلك القواعد والاحكام عليها، بالضبط كما يحدث في البناء الهندسي من التناسق بين القواعد والاركان والشكل الظاهري.
وعليه فالمجتمع الغربي يمتاز بخصائص ومرتكزات فكرية تختلف عما هي عليه في المجتمع الشرقي، من هنا فشكل الحكم المتبنى عند الغرب والقائم على مفاهيم الدولة المدنية لا يصلح تطبيقه على المجتمعات الشرقية.
لسبب بسيط يتمثل في تبني المجتمعات الشرقية احكاما دينية تعتبرها مصدرا للتشريع ولا تحيد عنها بحال، مما يشكل تناقضا واضحا لبعض مفاهيم الدولة المدنية المراد تطبيقها على تلك البلدان.
من خلال هذه النافذة سأطل على مفردة اثأرت لغطا في الاوساط الدينية غير المسلمة في المجتمع العراقي على اثر تشريع قانون البطاقة الوطنية وخصوصا المادة 26 التي تنص على " تبعية الأولاد القاصرون في الدين من اعتنق الدين الإسلامي من الأبوين " فالولد او البنت غير البالغين تثبت ديانتهم الاسلامية تبعا لاسلام الاب او الام ...
وفي هذا التشريع مصادرة لحق الاختيار للاولاد الصغار في الانتماء الى دين الاب او الام.
وفيه ايضا تغليب لدين على دين والحكم باشرفية الاسلام على بقية الاديان. وفيه تعد على الحقوق المدنية ورجوع بالمفاهيم الى عصر ماقبل نشوء الدولة الحديثة. وفيه تجاوز على مفهموم المواطنة لحساب الدين .. لكنه في الوقت ذاته يتماشى مع فقرات الدستور بأعتباره نص اسلامي مجمع عليه بين المسلمين...
وهنا تعالت اصوات بعض المرجعيات الدينية بأن التشريع موافق لثوابت الاسلام ولقانون حقوق الانسان، وان المطالبة بألغاء هذه المادة يعارض الدستور الذي نص في المادة الثانية منه على ان الاسلام دين الدولة الرسمي وهو مصدراساس للتشريع ...
وفي المقابل لم تهدء الاصوات المنادية بأقرار الحريات من منظمات المجتمع المدني وغيرهم من الناشطين والحقوقيين...
هذه القصة سوف لن تكون الاخيرة في سلسلة التناقضات التي تحصل بين تشريعات تنتمي الى عالمين مختلفين من المفاهيم جمعتها دساتيرهجينة واشكال مشوهة للحكم، وستصطدم وتتحطم امام صخرة الدين كمصدر للتشريع.
ومنشأ هذا التشريع هو قاعدة "اشرف الابوين"!!
والاشرفية هنا للاسلام دون سواه من بقية الاديان
فلو كان الاب مسلما والام مسيحية او يهودية فالولد مسلم قطعا لقاعدة اشرف الابوين!
ولو كانت الام مسلمة والاب مسيحي او يهودي فالولد مسلم قطعا لقاعدة اشرف الابوين!
والدليل على ذلك: مروية ابي هريرة التي تناقلتها كتب الصحاح والسنن بلا استثناء:
" كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كمثل البهيمة تنتج البهيمة هل ترى فيها جدعاء".
اذن على راي ابي هريرة ان الناس.. كل الناس هم مسلمون منذ الولادة لكن المشكلة في اولائك الاباء المسيحيين واليهود والمجوس هم من يفسدوا فطرة وبراءة الاطفال!
وهنا يأتي تشريع قانون البطاقة الوطنية لارجاع الاولاد والبنات الصغار الى اصل ديانتهم الاسلامية بعد ان دنستها اديان الاباء والامهات.
ولو سلمنا جدلا بحرية الاعتقاد المكفولة بالدستور العراقي! وافترضنا جدلا ان الولد اراد تغيير معتقده بعد البلوغ
فكيف يمكن تصور مصيره امام المادة الثانية من الدستور التي نتص على ان الاسلام مصدر التشريع.
هل تشمله قوانين حرية الاختيار فيحق له الخروج من ربقة الاسلام الى المسيحية .
او تطاله قوانين الردة فتفصل رقبته عن جسده .