الرمزية في لغة الاحلام
لا تحتوي لغة الاحلام على المجازات والاستعارات والكنايات، بمعنى ان التصورات التي يراها الحالم في منامه لا تحمُل الا على معانيها الحقيقية، وليست بحاجة الى مراجعة القواميس اللغوية للوقوف على معاني الالفاظ ودلالاتها، ولعل مفسري الاحلام هم القادرون على فهم دلالاتها، والحالم برؤية الشمس والقمر عند نقله لرؤيته لتلك الاجرام للاخرين فهو ينقل مشاهدة الشمس والقمر حقيقة لا شئ اخر، فلغة الاحلام هذه تختلف عن لغة الادب، مثلا الشاعر حينما يضَمن ابياته الفاظا كالشمس والقمر فهو يرمز الى محبوبته بالشمس اوالقمر ولا يقصد القمر بذاته لوجه شبه ما يجمعهما كالجمال مثلا.. وحينئذ عندما نقرأ الأيه "وكان عرشه على الماء" هود 7 لا يعني ذلك ان للعرش معنى مغاير عن العرش المتعارف عليه وان الماء شئ اخر غيرما نعرفه عن الماء، فالاية ليست خبرا منقولا وانما هي مشاهدات ومكاشفات منقولة بمعانيها الحقيقية ومن دون المجازات والاستعارات، ولو اريد لنا تفسير هذه الاية لابد من الالتزام بالمعنى الحقيقي للعرش والماء وان عرش الله على الماء، هكذا رأها النبي ونقلها لمخاطبيه، لكن فهمها يتوقف على انها رؤيا، وانها ترمز الى شئ ما في الواقع، وهي بحاجة الى مفسري الاحلام اكثر من حاجتها الى مفسري القران.
هكذا يقرر الدكتور سروش اذ لامعنى للمجازات والاستعارات في هذه الاية وامثالها، وهذه قضية في غاية التعقيد لان مفسري القرأن عند الوصول الى مثل هذه الايات تصيبهم الحيرة فيلتجئوا الى قاعدة قرروها في علوم القران اسموها المحكمات والمتشابهات استنادا الى صريح القران القائل ان فيه ايات محكمات واخر متشابهات، والمتشابهات هذه لا يعلمها الا الله فلنرجئ امرها الى الله، وعرش الله على الماء قالوا انها تصب في خانة المتشابهات! وليس بعيدا عن هذه النقطة بالذات ابداعهم علما من علوم القرأن اسموه "علم الوجوه والنظائر" وقالوا في هذا العلم ان الفاظ القرأن لا يؤخذ معانيها من المعاجم اللغوية اخذا مجردا، اذ لكل لفظ قالب تصويري مجرد للمعنى، ولا يستقل التفسير بأحد المعاني الواقعية التي يحتملها اللفظ الا بالسياق وهو وجود اللفظ ضمن تركيب جملة ذات معنى، فالسياق هو الذي يقرر المعنى. فلفظة الماء الواردة في مجموعة من الايات تعني المائع وليس معناه الماء المتعارف، لكن هذه القاعدة لا تنطبق على الماء الذي يطفو عليه عرش الله، لان السياق دال على ان عرش الله على الماء كان قبل خلق السموات والارض "هو الذي خلق السماوات والارض في ستة ايام وكان عرشه على الماء". فلا يستقيم معنى المائع هنا وعن اي مائع يتحدثون لان السماوات والارض بعد لم يخلقا بحسب سياق الاية، والنتيجة اذن هي من المتشابهات التي لا تصل عقولنا الى ادراكها. وهذه احدى المغالطات التي وقع بها المفسرون نتيجة الخلط بين الحقيقة والمجاز وكان قد اشاراليها سروش فيما مضى.
وليست هذه الاية الوحيدة التي لا يمكن فهمها على اساس انها اخبار عن الله، ولا يتيسر فهمها الا على القول بانها لغة حلام ومكاشفات، حالها حال الايات التي تتحدث عن الشهاب الثاقب واحراقه للشياطين والمردة الذين يسترقون السمع من الملأ الاعلى: "انا زينا السماء الدنا بزينة الكواكب وحفظا من كل شيطان مارد* لا يسمعون الى الملأ الاعلى ويقذفون من كل جانب. فالايات تشير الى ان السماء مليئة بالملائكة الذين يقومون بدور الحراس فاذا اقترب شيطان مارد ليسترق السمع الى الوحي ليقفل به راجعا الى الارض سيتعرض الى قصف من الشهب ويتم احراقه في الحال.
هذه الايات وغيرها اوقعت المفسرين في مغالطات غريبة عجيبة حتى بعضهم حاول ايجاد مخرجا لها يتناسب مع معطيات العلم الحديث، اذ حتى طلاب المدارس الصغار صاروا يعلمون ان السماء التي تتحدث عنها الايات ليست هي السماء التي اقرتها بديهيات علم الفلك، وكيف يعقل ان الكون بحسب الفهم الحديث له ان يكون مسرحا وصراعا بين الملائكة والشياطين تستخدم بها الاسلحة الفتاكة والحارقة المتمثلة بالشهب، لكن هذا البعض من المفسرين اوقع نفسه في متاهات لا داعي لها، من هؤلاء المفسرين محمد حسين الطباطبائي.
السيد الطباطبائي والشهب: وكمثال لمغالطات المفسرين يتعرض سروش الى البحث الذي ذكره السيد محمد حسين الطباطبائي في الميزان حول رؤيته العلمية للشهاب الثاقب الحارق للشياطين ورده للمفسرين حول كيفية تصويرهم لاستراق السمع من الشياطين ورميهم بالشهب.. يتلخص اعتراض صاحب الميزان على من سبقه: بأن تصوراتهم مبتنية على ما يسبق الى الذهن من ظاهر الايات، وبأن هناك افلاكا محيطة بالارض تسكنها جماعات من الملائكة ولها ابواب لا يدخلها الا واحد منهم ويحملون بأيديهم شهبا ويرصدون المسترقين للسمع من الشياطين فيقذونهم بالشهب وينهونهم عن بكرة ابيهم.
يقول الطباطبائي: هذه الايات من قبيل الامثال المضروبة التي تصور بها الحقائق الخارجة عن الحس في صورة المحسوس لتقريبها من الحس، فيكون المراد من السماء التي تسكنها الملائكة عالما ملكوتيا ذا افق اعلى نسبته الى هذا العالم المشهود نسبة السماء المحسوسة باجرامها الى الارض، والمراد باقتراب الشياطين من السماء واستراقهم السمع وقذفهم بالشهب اقترابهم من عالم الملائكة للاطلاع على السرارالخلقة والحوادث المستقبلية ورميهم بما لا يطيقونه من نور الملكوت.. تفسير الميزان ج17 تفسير سورة يس 66.
يقول سروش في رد هذا الكلام: كيف يعقل لشياطين غير محسوسة وما وراء الطبيعة ان تحرق بشهب محسوسة ومن ضمن الطبيعة، لكن الطباطبائي لو تنبه الى ان رمي الشياطين بالشهب كان في عالم الرؤيا لما احتاج الى كل تلك التأويلات، ولذهب الى عالم بالاحلام والانثربولوجيا ليدله على معنى: شخص في تاريخ وجغرافية الحجاز ومن ثقافة تلك الحقبة يرى في المنام ان الشياطين تقذف بالشهب. طبعا الطباطبائي يتكلم عن عالم الشياطين والشهب فيما وراء الطبيعة وفي عالم الملكوت ولهذا استبدل لفظة الشهب بنور الملكوت، لكن يبقى اعتراض سروش في محله بناء على متبنياته.
للحديث تتمة..