احلام الانبياء
ابتدأ سروش مقالته الثانية من نظريته "احلام نبوية " تحت عنوان جامع هو "خواب احمد خواب انبياست " مما يعني ان حلم النبي ورؤياه هي احلام بقية الانبياء ايضا، وكأنها مرآة عاكسة لاحلام الانبياء السابقين.. ولم تقتصر رؤيا النبي على تجربته الروحانية فقط وانما اتسعت لتشمل تجارب بقية الانبياء السابقين، وكأن محمدا حاضر مع موسى حال نطق الشجرة بالالوهية "فلما اتاها نودي من شاطئ الواد الايمن في البقعة المباركة من الشجرة ان يا موسى اني انا الله"، وكان مع اليسوع في مشاهدة ساحة الاعدام "وقولهم انا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم"، وكان مع ابراهيم عندما قدم فلذة كبده قربانا للاله "فلما بلغ معه السعي قال يا بني اني ارى في المنام اني اذبحك فانظر ماذا ترى قال يا ابت افعل ما تؤمر ستجدني ان شاء الله من الصابرين"، وكان مع يونس عندما غضب من الله ثم تاب واناب "وذا النون اذ ذهب مغاضبا فظن ان لن نقدر عليه فنادى في الظلمات ان لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين"، وبالنهاية كان مع الانبياء جميعا عندما كذبهم قومهم فنصرهم الله عليهم" حتى اذا استياس الرسل وظنوا انهم كذبوا جاءهم نصرنا".
هكذا انعكس تاريخ الانبياء في رؤياه ومشاهداته، ونقل الينا ان نوحا لبث في قومه يدعوهم الى الله الف سنة الا خمسين عاما الى ان اغرقهم الطوفان، وان بعض اليهود لعصيانهم اوامر الاله مسخوا قردة وخنازير، وان عزير اماته الله مائة عام ثم بعثه للحياة من جديد، وان نهر النيل انشق نصفين وابتلع المصريين وفرعونهم، وان عصى موسى تتحول الى ثعبان مبين.. كيف يمكن تفسير تحول الانسان الى قرد او خنزير ، او عودة عزير الى الحياة بعد مماته وكذلك انشقاق البحر.. اليس كل ذلك بحاجة الى ان يفسر بلغة الاحلام واذ لا يخلو من التكلَف الكبير اذا ما فسر على اساس الواقع، وها هي كتب المفسرين القدامى تعج بالخرافات والتاويلات والاحاديث المتعارضة لتصحيح قصة مسخ اليهود الى قردة وخنازير، اما المعاصرين منهم فقد بحثوا في جينات والخلايا وشاهدوا التشابه الكبير بين الانسان والقرد والخنزير فاثبتوا المسوخ!!
يقول سروش بل الامر يتعدى ذلك لدرجة ان النبي في رؤياه مع ذاته احيانا ينوب مناب الانبياء ويتحدث بالنيابة عنهم، وتجربته الباطنية تتحول الى تجربة لبقية الانبياء، بل يمكن القول بان اسم احمد يصبح اسم لكل الانبياء، فعندما يرى النبي محمد ابراهيم في المنام ويطلب من الرب كيفية احياءه الموتى للمزيد من اليقين والاطمئنان فياتي الجواب ان يذبح اربعة من الطيور ويجعل على كل جبل جزا منها ثم يدعو الطيور المذبوحة فيأتين اليه سعيا.. هذه القصة تظهر مكنون ما في نفس النبي من طلب الاطمئنان حول احياء الاموات لكنها ظهرت على شكل سؤال ابراهيم لربه وجواب الرب لابراهيم في حوارية الطير والجبل الخيالية، وكذلك رحلة الشك الابراهيمية بين القمر والشمس وافولهما الى اليقين بان الله فاطر السموات والارض هي تجربة محمدية بلباس ابراهيمي. ذلك لان الرؤيا مقولة اللايقال و وصف لما لايوصف تماما كالشعر الاصيل والادب الرصين، فالحقيقة المكتومة التي لا مجال لها في الواقع تخرج احيانا الى فضاء الشعر والادب للافصاح عن مكنون بداخله بلغة الشعر ورؤيا الحديث، الرؤيا والواقع، النوم واليقضة امران متعاضدان، عندما تضعف لغة اليقضة عن البيان تفصح عنها لغة الخيال لتقول ما لا يقال وتوصف مالا يوصف. الانبياء ابطال عالم الخيال عندما تضيق الطبيعة عن بيان مكشوفاتهم. نعم لدينا احلام سفيهة واضغاث احلام رخيصة كاشعارنا الهابطة احيانا، لكن بين هذا وذاك تتوافر لدينا احلام متعالية تفصح عما لا يمكن الافصاح عنه في اليقضة، احلام الانبياء من هذا النوع ومن النوع المتعالي جدا تتسامى لاعالي السماء اللامتناهية.
للحديث بقية..