تجاوزت سلطة رجال الدين حدود السلطات المتاحة للبشر، لانهم وببساطة متناهية يتحدثون نيابة عن الاله، وقد تنتهي حياة من لا يرضون فكرة بكلمة واحدة فقط ليس غير، واذا امكن وصف سلطة ما بالدكتاتورية فهي السلطة الدينية بلا منازع.
وهنا اعرض السؤال التالي على امل الاجابة عنه في ذيل المقال.
ما هو المنشأ والمستند لهذه السلطة؟
ومتى انسل هذا السيف على رقابنا؟
قد تبدو للوهلة الاولى الغرابة من السؤال عن شرعية المرجعيات الدينية، بأعتبارها الحبل الممتد الى اعنان السماء. ومن ينبوعها تترشح التشريعات الدينية والدنيوية من العبادات والمعاملات، بل تمتلك تلك المرجعيات من النفوذ السلطوي ما قد يفوق بشرعيته السلطات السياسية ايضا، كالحكم بالارتداد وما يترتب على ذلك من اثار اجتماعية تطال عائلته الخاصة وممتلكاته بل وقد تصل الى حد القتل. على الرغم من ان السلطات السياسية لها دوائرها الخاصة التي تستمد شرعيتها منها كأراء الاغلبية مثلا او بحسب الانظمة والقوانين التي تحدد العقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم.
وتكمن الغرابة في نقاش تلك المفردة في السلطة الدينية وتتجلى بوضوح عند الدخول في بواطن تأصيل بعض النظريات القائلة بولاية تلك المرجعيات على مقدرات الناس بصورة مطلقة وشاملة لاعراضهم واموالهم.
فكيف توسعت سلطة المرجعيات الدينية الى هذا الحد الخطير؟
رغم اننا لا نملك الصورة الواضحة عن شرعية تلك المرجعيات، ومن الذي منحها تلك الصلاحيات التي تجرد الانسان عن حريته وسلوكه وتجعله يتخلى عنها للمرجع الديني، وفي هذا رجوع بالعقل الانساني الى مرحلة ما قبل التنظير للعقد الاجتماعي الذي سنًه رواد علماء الاجتماع امثال توماس هوبز، و مرورا ب "جان جاك روسو". وبأمكاني القول وبكل ثقة ان في ذلك نسف لكل تاريخ ادبيات الفكر الانساني على الاطلاق اذ ان التفكير بالذات باعتبارها ارادة فعالة حرة أمن بها ودافع عنها الفلاسفة اليونانيين ابتداءا من السفسطائيين منهم وقالوا بحرية الفكر في الدين والسياسة والفنون والاخلاق، ثم اثبتها سقراط بمقولته عن الحرية " بأن ليس على الارض انسان له الحق في ان يملي على الاخر ما يجب ان يؤمن به او يحرمه من حق التفكير كما يهوى..
ما دام الانسان على وفاق مع ضميره فانه يستطيع ان يستغني رضى اصدقائه وان يستغني عن المال وعن العائلة وعن البيت، ولكن بما انه لا يمكن ان يصل الى نتائج صحيحة بدون ان يفحص المسائل، ما لها وماعليها فحصا تاما فانه يجب ان يترك الناس احرارا، لهم الحرية التامة في مناقشة جميع المسائل بدون ان تتدخل الحكومة في مناقشته" وكذلك نجدها في فلسفة تلميذه افلاطون اذ يقول"، ان النفس تصل الى حريتها عن طريق النظر والتأمل، والحرية هي الارتقاء بواسطة الجدل العقلي نحو الوجود المطلق "؟" وفي مدينتة الفاضلة يقررايضا بأن "الحرية هي افضل واكمل ما يملكه الناس، ولذلك فهناك مدينة واحدة فقط يملك المرء الحرية بسلام" وعلى هذا النهج سار ارسطو طاليس وابيقور وبقية الفلاسفة اليونانيين.
ولا يفهم من ذلك ان النقاش في تلك المفردات هو الوقوف في صف العداء للمرجعيات الدينية، او الغاء دورها في المجتمع وانما الهدف هو خلق جو عام يمكن من خلاله مناقشة تلك المسائل بنوع من الشفافية والحرية ومن دون وضع خطوط حمراء تجعلها بمستوى المقدسات التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، كل ذلك ليتسنى للرأي العام رسم مفهوما واضحا للمرجع الديني وحدود دائرة تحركه، مع الاحتفاظ بحرية ابداء الرأي في الموضوعات المختلفة لا على جهة الفوقية والقداسة وانما كمتابع يتساوى مع غيره في هذا المجال.
والمرجع الديني والكلام في المرجع الاسلامي تحديدا مهمته تكمن في فهم النصوص الشرعية واعمال اجتهاده وابداعه في غير المنصوص منها ضمن مواقع فراغ النصوص؛ وتطبيق كل ذلك على واقع الحياة لايجاد الحلول المناسبة لما يطرء للناس من حالات في سلوكهم الديني .فهو بذلك يمثل الغطاء الروحي والابوه الروحية بكل ما تحمله هذه الكلمات من معان سامية.
وبما يحمله ظل الابوه من مواقف مفصلية في حياة الناس اثناء المفارقات التي يتعرض لها المجتمع؛ وبما تحمله الروحانية من ارساء قواعد المحبة والسلام والاخاء بين الناس..
هذه هي الدائرة التي يتحرك بها المرجع الديني وبحسب الاليات المتاحة له والتي قد توسع تلك الدائرة او تضيقها ضمن سياقاتها المذهبية.