حوارية غار حراء
الرؤيا الالهية الاولى والمنام المقدس الذي غشي النبي في اول فجر الظهور حيث ترائى له الملاك او جبرائيل لاحقا لم تكن حوارا بين اثنين اقرأ او لا تقرأ اذ لم يكن هناك سوى محمد مخاطَب ومخاطٍب، وبغض النظر عن الاحلام ولغتها فأن الروح الامين ذلك الذي اوصل القرأن الى قلب محمد وبلغة عربية مبينة نزل به الروح الامين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين كان رابطا مشتبه به.
اما بملاحظة عالم الرؤيا ولغتها فلا يوجد شخصان في هذه الحوارية وانما هو شخص واحد ينوب مناب الملاك في الحديث، وبالتالي هو حديث مع النفس.
بالضبط كحديث الشيطان مع الانسان هو حديث نفساني ايضا، الانسان وما توسوس به نفسه، فلا حوارية متقومة بمخاطِب ومخاطَب اذ الشيطان ليس شخصا متقوما بالحديث ليخبر الانسان ويغريه بفعل ما لا ينبغي فعله..
لكن رسالة الاحلام القرانية تصوَر حديث النفس على شكل حوارية طرفاها الشيطان والانسان، كمثل الشيطان اذ قال للانسان اكفر فلما كفر قال اني برئ منك اني اخاف الله رب العلمين.
بالطبع اشارة الدكتور سروش تأتي على ما هو المحقق فيما حدث في الغار واللقاء مع الملاك كان في المنام وليس في اليقضة كما هو الشائع عند المسلمين، ورواية ابن اسحاق في تاريخه تنص على ان رواية النبي كانت في عالم الرؤيا " فجائني جبرئيل وانا نائم بنمط من ديباج فيه كتاب.. فانصرف عني وهببت من نومي فأنما كتب في قلبي كتابا "رغم انه يتكئ على نص اية نزول الروح الامين وان المتكلم هنا هو ذات النبي وليس جبرئيل.
وليس هذا المورد الوحيد الذي يحدث به تبادل للادوار وحديث النبي بدلا من جبرئيل ، وانما هناك موارد ترقى الى اكثر من ذلك ، تلك الموارد التي تتصدر ب " انزلناه " او " قل "هي من الموارد التي يقوم النبي مقام الله في الحديث بالنيابة عنه.
الفوضوية والارباك في تناسق الموضوعات
يستشهد سروش بأيات من سورة المائدة تثبت عدم التناسق في طرح الموضوعات بل هناك فوضوضية وارباك في النقل فتبتدا الاية الاولى من المائدة بالامر بالوفاء بالعقود ثم مباشرة الى حلية اكل بهيمة الانعام ثم احكام الصيد في حال الاحرام بعدها حرمة اكل الميتة والدم ولحم الخنزير.. ثم الاية ذاتها تقول اليوم اكملت لكم دينكم ورضيت لكم الاسلام دينا والمضطر لاكل المحرمات لا اثم عليه.. والملاحظ ان موضوع اكمال الدين لا ربط له بما قبله ولا بما بعده.
وكذلك سورة النور حيث تبتدء بالزنا والاحكام الشرعية المترتبة على ذلك ثم تنتقل الايات الى الجانب التوحيدي والى نوادر الرؤيا القدسية الله نور السموات والارض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح.. ثم بعد عدة ايات يرجع بنا السياق الى احكام النساء العجائز ممن فاتهم قطار الزواج واحكام حلية الاكل من بيوت الاباء والامهات والاخوة والخالات والعمات.. والشئ الملفت في هذه السورة وفي بداياتها تقول سورة انزلناها وفرضناها وانزلنا فيها ايات بينات لعلكم تتذكرون مما يعني انها جملة واحدة متناسقة الاحكام الواضحة البينة، رغم انها ليست كذلك فلا تناسق بين موضوعاتها كسورة واحدة وبنية لغوية متحدة، وكذلك تضمنها احكاما واضحة ليست بحاجة الى انزال وفرض من قبل الله كالاكل من بيوت الاهل والاقرباء.. هذا التداخل في الموضوعات المختلفة بعضه بالبعض الاخر يعتبره سروش اقرب الى لغة الاحلام منه الى لغة اليقضة.
وكذلك قصص القران تحتوي على تصورات وخيالات منامية يشعر بها القارئ لتلك القصص وكأن الرواي لايرى كل الاشياء او يحدَث بها، فتارة يلاحظ الراوي ينقل الاحداث من صميم القصة، وتارة اخرى من خارجها وكأنه مشاهد لها، وكأن هناك انتقالية من الشخص الاول الى الشخص الثالث وبالعكس، وبطبيعة الحال يحتاج فهم تلك الاحداث الى مفسر للاحلام، والاتكاء على المؤرخين في فهم حقيقة الاحداث التي تسردها القصة القرانية امر متعسر.
حتى تقرير المعارك التي خاضها النبي لم يخلو من لغة الخيال والاحلام وتنزيل الصور الخيالية منزلة الواقع كمشاهدة الاف الملائكة يقاتلون في صف المؤمنين ولقد نصركم الله ببدر وانتم اذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون، اذ تقول للمؤمنين الن يكفيكم ان يمدكم ربكم بثلاثة الاف من الملائكة منزلين.
او رؤية ابليس وهو يغوي المشركين ويرغبهم بالحرب ثم يتخلى عنهم ويتركهم يلاقوا مصيرهم المحتوم واذ زين لهم الشيطان اعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس واني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال اني برئ منكم اني ارى ما لا ترون يعني ان النبي عند نقله للاحداث المعاصرة له لم تكن لغة المؤرخ حاضرة معه وانما حكاية الاحداث كان يراها تدور في فضاء اخر من الخيال واللاواقعية.
والملاحظ في القصص القراني ايضا حالة التكرار في القصة بالطريقة التي تنفي معها حقيقة التأليف في القصة، والظاهر ان النبي كان قد رأى موسى في المنام مئات المرات وفي كل مرة كان يروي له قصته، وفي اكثر من ثلاثين سورة تتجدد حكاية موسى بالمطابقة لسابقتها او عدم المطابقة احيانا، هكذا تكرار لا يتأتى عند مؤلف ما او لمؤرخ لحادثة ما، لكنه يتأتى عند الحالم لصديق له عشرات المرات وينقل حكاية حلمه بأساليب مختلفة.
للحديث تتمة