حكاية الايام الستة
قصة خلق السماوات والارض في ستة ايام تعد من مقولة ضبابية الزمان في النص المقدس المتقدم ذكرها في المقالة السابقة، وهي قصة توراتية تكرر ذكرها في اكثر من موطن من القرآن تبعا للتوراة، ورد ذكرها قبل ذلك في اوستا زرادشت ايضا. وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ. إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش. النص الاتي من سورة فصلت يفصَل كيفية خلق الارض ثم السماوات السبع بكواكبها ونجومها: قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ *وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ* ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ* فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وبناء على ما ذكره المفسرون تبعا للروايات حددت الايام والمنجز من بناء الكون في تلك الايام: الروايات الاتية منقولة عن جلال الدين السيوطي في موسوعته التفسيرية "الدر المنثور":
روى ابن عباس: أن اليهود أتت النبي فسألته عن خلق السموات والأرض؟
فقال: خلق الله الأرض يوم الأحد والإثنين، وخلق الجبال وما فيهن من منافع يوم الثلاثاء، وخلق يوم الأربعاء الشجر والماء والمدائن والعمران والخراب، فهذه أربعة فقال تعالى قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أنداداً ذلك رب العالمين، وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين. وخلق يوم الخميس السماء، وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة إلى ثلاث ساعات بقين منه. فخلق في أول ساعة من هذه الثلاثة الآجال حين يموت من مات. وفي الثانية ألقى الآفة على كل شيء من منتفع به. وفي الثالثة خلق آدم وأسكنه الجنة، وأمر إبليس بالسجود له، وأخرجه منها في آخر ساعة قالت اليهود: ثم ماذا يا محمد؟ قال: ثم استوى على العرش قالوا: لقد أصبت لو أتممت.
ثم قالوا: استراح؟ فغضب النبي غضباً شديداً. فنزل ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب، فاصبر على ما يقولون وحوارية النبي مع اليهود بهذا المضمون نقلت عن عكرمة ايضا: أن اليهود قالوا للنبي: ما يوم الأحد؟
قال: خلق الله فيه الأرض. قالوا: فيوم الأربعاء؟ قال: الأقوات. قالوا: فيوم الخميس؟ قال: فيه خلق الله السموات.
قالوا: فيوم الجمعة؟ قال:خلق في ساعتين الملائكة، وفي ساعتين الجنة والنار، وفي ساعتين الشمس والقمر والكواكب، وفي ساعتين الليل والنهار.
قالوا: ألست تذكر الراحة؟ فقال سبحان الله..!
فأنزل الله: ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب، وبالرجوع الى النص المتقدم من سورة فصلت يلاحظ ان الايات اوصلت خلق الكون الى ثمانية ايام وليست ستة، يومان لخلق الارض، واربعة لخلق الرواسي وتقدير الاقوات، ويومان اخريان لخلق السموات السبع، تلك هي ثمانية ايام وليست ستة!! وهناك ارجع المفسرون تداخل الايام ببعضهما البعض لتصبح الايام ستة لا ثمانية، كما فعل الفخر الرازي وغيره. ثم الحديث كل الحديث في آيات خلق الكون منصب على خلق الارض
اولا.. ثم خلق السماوات.
وثانيا.. الا في سورة النازعات فالقصة جاءت بالمقلوب، تقول الايه:
الارض بعد ذلك دحاها بمعنى ان خلقها جاء بعد اتمامه لخلق السماوات، لكن يظهر من فقولة المفسرين في بيان ضبابية الزمان هنا ان الله عاد ورجع الى الارض بعد خلق السماوات ليبسطها ويضع اقواتها.
يقول الفخر الرازي: "ظاهر الآية يقتضي كون الأرض بعد السماء، وقوله:
في حم السجدة:
ثم استوى إلى السماء يقتضي كون السماء بعد الأرض، وقد ذكرنا هذه المسألة في سورة البقرة في تفسير قوله: ثم استوى إلى السماء، ولا بأس بأن نعيد بعض تلك الوجوه:
1.أن الله تعالى خلق الأرض أولا، ثم خلق السماء ثانيا، ثم دحى الأرض أي بسطها ثالثا، وذلك لأنها كانت أولا كالكرة المجتمعة، ثم إن الله تعالى مدها وبسطها.
2.أن لا يكون معنى قوله: دحاها مجرد البسط، بل يكون المراد أنه بسطها بسطا مهيأ لنبات الأقوات وهذا هو الذي بينه بقوله: أخرج منها ماءها ومرعاها وذلك لأن هذا الاستعداد لا يحصل للأرض إلا بعد وجود السماء، فإن الأرض كالأم والسماء كالأب، وما لم يحصلا لم تتولد أولا المعادن والنباتات والحيوانات.
لما ثبت أن الله تعالى خلق الأرض أولا ثم خلق السماء ثانيا، ثم دحى الأرض بعد ذلك ثالثا، ذكروا في تقدير تلك الأزمنة وجوها.. واعلم أن الرجوع في أمثال هذه الأشياء إلى كتب الحديث أولى". وهذه سنة الفخر الرازي ان يذر المسألة كالمعلقة ان لم يجد لها حلا. والاخبار والروايات بهذا المعنى تعج بها كتب الحديث والتفسير، ورغم وجودها في امهات المصادر الحديثية ومن رواة موثقين الا انها تفوح برائحة الاساطير والخرافات، وهذه نماذج منها: ابن عباس: "وضع البيت على الماء على أربعة أركان قبل أن تخلق الدنيا بألفي عام، ثم دحيت الأرض من تحت البيت". ابو هريرة: "خُلقت الكعبة قبل الأرض بألفي سنة. قالوا: كيف خلقت قبل وهي من الأرض؟ قال: كانت حشفة (جزيرة) على الماء، عليها ملكان يسبحان الليل والنهار ألفي سنة، فلما أراد الله أن يخلق الأرض دحاها منها، فجعلها في وسط الأرض.
يقول سروش: الحق اني لم اجد حلا مقنعا لخلق السماوات والارض غير التوسل بكونها حلم ورؤيا.
اما المتمسك باساطير خلق الارض من تحت الكعبة او من تحت صخرة البيت المقدس فهو كطاحن الماء في الهاون، وهو مثل بالفارسية يقال لمن يقوم بعمل عبثي يرتجي من وراءه نتيجة مهمة. وكذلك قصة الايام في النص المقدس هل هي من جنس الايام السبعة او بمعنى اليوم بالف سنة وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ؟
او بمعناه المطلق اي المدة او الفترة الزمية؟ وكل تلك المعاني لا تخلو من الاشكالية، واقل ما يقال هنا استحالة وجود الزمان قبل المادة سواء كان يوما واحدا او قرن من الزمان.
يقول سروش: يمكن تصحيح ذلك ومن دون الحاجة الى ادنى تكلف ولا داعي للدخول في متاهات التأويل ان يقال ان اليوم ممكن ان يكون من ايام الاسبوع، وهذا اليوم قبل خلق الارض والسموات يوما اوشهرا اوسنة، ووقوع هذا اليوم في حالة عدم وجود الزمان في ظرف خلق الكون، لكن في حسابات عالم اليقضة وفي حالة الرؤيا والمنام، وعليه فلا وجود لتناقض الزمان والحال هذه.
اما بالنسبة الى عدم واقعية الزمان في النص القرآني فلا يوجد دليل اكثر حجية ودلالة وصراحة من قوله: وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ الايه 47 من سورة الحج. ماذا يفهم من هذه الجملة؟
هل هناك عقد او اتفاق ابرمه الاله مع نفسه او مع الملائكة يكون بموجبه نسبة اليوم الارضي الى اليوم الالهي 1/1000، بمعنى ان كل الف سنة ارضية تساوي يوما سماوي واحد، فتكون وحدة قياسية مثل الالف كيلو تساوي طنا واحدا لكن هذه الوحدة القياسية في عالم الوجود باطلة اذ لا يمكن للزمان ان يمتد الى اربعة وعشرين ساعة والى الف سنة. الا على القول بعالم ما وراء الطبيعة حيث اليوم يعادل الف سنة، وهذا الفرض باطل ايضا؛ لان العالم اوسع واشمل من الطبيعة والزمان، وعليه ولا وجهة للقياس بينهما.
يبقى ان يقال ان الزمان نسبي فيطول ويقصر بحسب الحال، وهذا ما ذهب اليه اكثر المفسرين فأن يوم العذاب الالهي وما يحتويه من الشدة والمشقة كأنه الف سنة من مشقة الدنيا، كما ان ليلة القدر وما فيها من المعنويات كأنها خير من الف شهر، فيكون اليوم هو ذات اليوم ذو الاربعة وعشرين ساعة لكنك تشعر به وتتحسس آلامه وكأنه الف سنة.
يقول سروش: ويمكن لهذا التفسير النسبي للزمان ان يكون غير واقعي ويتلاشى حينئذ بطؤه وقصره وطوله الفيزيائي، لكن المعنى الاكثر مقبولية هو القول بان اليوم الالهي في الرؤيا والمنام يعادل الف سنة. والاف هذه ليست عددا ثابتا وانما هي حاكية عن حالة ممكنة. وكما يقول صدر المتألهين ان طول يوم القيامة يكون احيانا كلمح البصر واحيانا الف سنة واحيانا ثالثة خمسين الف سنة،. يقول سروش كل ذلك يتأتي في منام محمد (ص).
للحديث تتمة..