الخاتمـة
بعد تمامية موضوعة ضبابية الزمان في النص المقدس يكون سروش قد انهى احلامه النبوية، لكن ردود الافعال على تلك الاحلام لم تنته بعد، وهي كثيرة جدا يصعب سردها ومناقشتها، سواء كانت على مستوى التعليقات المباشرة او النقض بمقالات ودراسات مستقلة او المقابلات التلفزيونية كتلك التي اجراها داريوش كريمي من قناة البي بي سي الفارسية بين الدكتور سروش والمتخصص بالدراسات القرانية عبد العلي بازركان.
ردود الافعال هذه انتجت ثلاثة مقالات على مستو عال من الاهمية كشفت جانبا مهما من نظرية "احلام نبوية" تعرض سروش في اولاهما الى بعض اهم الاشكالات الواردة على النظرية وهو عدم حجية الاحلام وبالتالي انتفاء الشريعة وامتناعها، وفي ثانيتهما اضاف مزيد ايضاح حول تجربة المعراج والمعاد، وفي ثالثتهما الرد على النقاط العشر التي اثارها عبد العلي بازركان، والتي كان قد نشرها على الموقع الالكتروني للبي بي سي الفارسي.
ومن خلال جملة النقد الذي تعرضت له النظرية من قبل المهتمين بالفكر الاسلامي على المستوى الايراني- اذ النظرية لازالت في محيطها الفارسي- اكتشف سروش ان نظريته لم تكن بمستوى من الوضوح، ولازال الغموض سائدا في بعض جوانبها المهمة وهو الغرض من طرح النظرية، اذ ان كبرى الاستفهامات الموجه الى النظرية يستبطن عدم ادراك الغرض والهدف منها كما سيأتي بيانه، فكان عليه ان يزيدها بسطا وايضاحا.
وهذا ما لمسته من خلال دراستي للنظرية ومن خلال نقاشاتي مع المهتمين هذا الشأن، ومن هنا وعندما قررت طرح مجموعة مقالات "محمد راوي رؤياهاي رسولانه" الى القراء العرب بأسم "احلام نبوية" لم يكن اخر همي الترجمة العربية لهذه المجموعة كما سطرها مؤلفها في نسختها الفارسية، وانما كنت اهضم الفكرة وانقلها الى العربية بمزيد ايضاح وكثرة شواهد، وعناوين مستمدة من الفكرة المراد طرحها، وكأني المتبني والمدافع عن النظرية وعليَ طرحها بأسلوب يجعل المتلقي اكثر فهما واعمق استيعابا للنقاط المثارة في تلك النظرية، ايمانا مني بأن بعض بنودها يلفَها الغموض وقد لا تحضى بالقبول من القارئ العربي والحال هذه، فكان المقطع ذو الاربعة اسطر مثلا يستوعب الصفحة والصفحتان لنقله وتبيانه والاستشهاد عليه وان خرج على المألوف في ترجمة الاثار ونقل الافكار من لغة الى اخرى.
وقبل الولوج في الانتقادات الموجه الى النظرية لابد من بيان امرين كان سروش قد نبه عليهما في طي اجوبته على الانتقادات، وذكرهما في مقابلاته التلفزيونية، وهما:
1.الغرض من طرح نظرية "احلام نبوية هو بيان كيفية وصول الوحي الالهي الى الناس ليس اكثر من ذلك ولا اقل، بمعنى ان مد نظر المؤلف ليس اثبات الوحي او نفيه، ولا ان الاثبات او النفي من لوازم النظرية، مع التاكيد على ايمان المؤلف بالوحي وكلامه منصب على بيان طريقة وصول الوحي الالهي الى الناس.
2.نظرية احلام نبوية تتحدث عن كيفية وصول الوحي بشكل عام وبالاجمال، و لا يصح تطبيقها على هذا المورد بخصوصه او ذاك، نعم تلك الموارد الخاصة تصح ان تكون شواهد على طريقة وصول الوحي ،وعليه فلا يصح النقص بمورد معين على انه ليس حلما او رؤيا لوضوح اليقضة والواقعية فيه، عدم حجية الاحلام: اول ما يواجه نظرية "احلام نبوية" النقد القائل بأن الوحي ان كان من سنخ الاحلام فهو ساقط عن الحجية ولازمه بطلان التعاليم والاحكام الواردة في النص القرأني؛ اذ لا يمكن الاحتجاج والاحتكام الى الرؤى والاحلام، ولازم ذلك انتفاء الشريعة وامتناع الرسالة.
مزيد توضيح لهذا النقض والجواب عليه يأتي في المقالة القادمة...