مشروعية الاحلام
قبيل الشروع في الاشكالات الواردة على "نظرية احلام نبوية" لابد من التذكير بأمرين هامين: الغرض من طرح نظرية "احلام نبوية" هو بيان كيفية وصول الوحي الالهي الى الناس ليس اكثر من ذلك ولا اقل، بمعنى ان مد نظر المؤلف ليس اثبات الوحي او نفيه، ولا ان الاثبات او النفي من لوازم النظرية، مع التاكيد على ايمان المؤلف بالوحي وكلامه منصَب على بيان طريقة وصول الوحي الالهي الى الناس. والنظرية تتحدث عن كيفية وصول الوحي بشكل عام وبالاجمال، ولايصح تطبيقها على هذا المورد بخصوصه او ذاك، نعم تلك الموارد الخاصة تصح ان تكون شواهد على طريقة وصول الوحي ،وعليه فلا يصح النقص بمورد معين على انه ليس حلما او رؤيا لوضوح اليقضة والواقعية فيه. مشروعية الاحلام وكيفية اثبات الاحكام والتشريعات بواسطة الاحلام هي اول ما يتبادر الى الذهن كعلامة استفهام كبيرة تواجه النظرية، بمعنى ان الوحي ان كان من سنخ الاحلام فهو ساقط عن الحجية ولازمه بطلان التعاليم والاحكام الواردة في النص القرأني؛ اذ لا يمكن الاحتجاج والاحتكام الى الرؤى والاحلام، ولازم ذلك انتفاء الشريعة وامتناع الرسالة.
يقول سروش في جواب هذا الاعتراض: ان احلام الانبياء نوع من انواع الوحي، فهو حجة على المؤمنين به بلا فرق بين كون الوحي يأتي في حالة اليقضة او المنام، فالمؤمنون بالوحي يعتقدون به جازمين من اي طريق جاء، حلم او يقضة.
رويت مشاهدة دعوة النبي لابي جهل للايمان به، وجواب ابي جهل بأني ارى الرؤيا كما انت ترى. قيل بناء على نظرية "احلام نبوية" هل نعطي الحق لابي جهل في رؤياه بل لدعوة النبي لرؤياه، ويكفي هنا تبديل صيغة الؤيا بصيغة الوحي، وكأنه يقول للنبي كما انت ترى الوحي انا كذلك ارى الوحي.
وجواب سروش: ان الكلام في طريقة وصول الوحي لا في تصديقه او تكذيبه.
الاعتراض الاخر يتمسك بأنكار المجازات والاستعارات على القول بالاحلام وهذا يعنى الالتزام بالظواهر ومعناه تصحيح لمذهب المجسمة والمشبهة، بالاضافة الى ان لطافة الكلام وايصاله الى حد الاعجاز متقوم بالمجازات والاستعارات، والايمان بالاحلام الغاء لكل ذلك. والظاهر ان المعترضين لاحظوا انتفاء المجاز ولم يلحظوا اثبات تعبير الرؤيا.. يقول سروش " ان كنت نافيا للاستعارة من المتن المقدس كما يزعمون فأنا مثبت لتعبير الرؤيا، بمعنى ان ما اكتسبه الاخرون بالتأويل اوضحته عن طريق التعبير. هذا اولا.
وثانيا: القول بلطافة الكلام وجماليته متقوم بالمجازات والاستعارات ومن دونهما يفقد الكلام حلاوته وطراوته، هذا كلام اهل البلاغة والفصاحة لكن الامر لا يتوقف على هؤلاء وفي المقابل هناك الاخرون كالعرفاء واصحاب الرأي والمؤلف قد اقتفى اثرهم، وتأملاته اوصلته الى ان الاستعارة قول ما لا يقال وحكاية ما لا يصح الافصاح عنه، عندما يضيق الكلام عن الافصاح بامر ما ينطلق لسان اخر ليعبر عما ضاق به الكلام الطبيعي بلغة الاشارات العرفانية او الاستعارات الادبية.
نعم الاستعارات تارة تعطي للكلام رونقا اخر اذا اريد منها تزيين الكلام وتجميله لكن ضيق اللغة عن البيان يخلق ويكشف لغة جديدة عريقة متوارية في لب تلك اللغة. اذن التفنن في استعمال المجاز ليست صنعة فقط وانما هو كشف وراواية عن عالم الخيال وتجربة ماوراء اللغة، وخذ مثلا قول الراعي "امشط شعر الله". او رؤيا محمد "الله نور السماوات والارض"، و"على العرش استوى"، و" وكان عرشه على الماء"، كل ذلك ليس بابا للمجاز وتزيين للكلام.
حتى ملذات اهل الجنان وانين المعذبين وشجرة الزقوم هي مشاهدات وتصوير لعين الوقائع للرؤيا القدسية لمحمد بن عبد الله (ص). وبالنظر لصيغة الكتاب الواردة في القرأن "ذلك الكتاب لا ريب فيه" اي كتاب هذا المشاراليه بذلك اذ لم هنالك كتاب قد جمع بعد، اليس من الاولى في كل ما قيل من تأولات حول هذا الكتاب ان يقال هو ينشد لكتاب كان حاضرا في رؤياه.
كذلك في حادثة انزال الحديد الواردة في سورة الحديد 25 ونزول الحيوانات في سورة الزمر 6 وكيف سلك المفسرون طرقا في بيان معنى نزول الحديد والانعام من السماء، فهذا التبيان للشيخ الطوسي ينبؤنا عن معنى الحديد فيقول: "روي ان اللّه تعالى أنزل مع آدم العلاة- يعني السندان والمطرقة والكليتين- من السماء"، يقول الطوسي: "وهذا صحيح ولا بد منه، لان الواحد منا لا يمكنه أن يفعل آلات من حديد وغيرها إلا بآلات قبلها، وينتهي إلي آلات يتولي اللّه صنعها تعالي اللّه علواً كبيراً".
ويزيد الزمخشري في الكشاف على ما ذكره الطوسي فائدة مهمة!! في بيان معنى الحديد: "روي أن جبريل نزل بالميزان فدفعه إلى نوح وقال: مر قومك يزنوا به.
وأنزلنا الحديد قيل: نزل آدم من الجنة ومعه خمسة أشياء من حديد: السندان، والكلبتان، والميقعة والمطرقة، والإبرة.
وروي: ومعه المسن والمسحاة.
وعن النبي: إن الله تعالى أنزل أربع بركات من السماء إلى الأرض: أنزل الحديد، والنار، والماء، والملح". والموضوع مفصل بالتمام والكمال حول انزال الحديد وفوائده في التفسير الكبير للفخر الرازي. يقول سروش: لو قلنا بان انزال الحديد والانعام كان على حالة من الرؤيا الم يكن هذا اللغز قد حُلَ.