Paradigm
الباراديم مفهوم تبتني عليه البنية الادراكية للبحوث، وهو مفهوم شائك ومتشعب بتشعب العلوم النظرية والتطبيقية، ابتدأ من لوحة بسيطة رسُم عليها خطوط تبدو انها لشكل حيوان ان اُمعن النظر اليه بدا لك شكل حيوان اخر، هذه اللوحة الملهمة اوصلت العلماء لمفهوم اصبح اساسا للتفكير فيما بعد اطلق عليه الباراديم.
للمرة الاولى عام 1892 اظهرت مجلة المانية صورة لمصمم مجهول يشاهد من خلالها وفي آن واحد صورتين لارنب وبطة، فلو رأيتها من اليمين الى اليسار لشاهدت ارنبا ولو عكست اتجاه الرؤية لرأيت بطة، وكانت مثالا للخدع البصرية للوهلة الاولى، لكن هذه الصورة احدثت انقلابا في التفكير وصارت مرجعا للباحثين في مجالي الفلسفة وعلم النفس. الفيلسوف النمساوي - الانكليزي استلهم من تلك الصورة مطلبا اخر وتحدث عن مقولة رؤية الشي بمنزلةLudwig Wittgenstein
شيء اخر وفصلها عن الرؤية المجردة المحضة، ومن هنا انطلق مفهوم الباراديم.
والمقصود بالباراديم هنا الاصطلاح الذي استخدمه توماس كون بمعناه الميتافيزيقي، اذ للباراديم مفهوم واسع فضفاض ابتدء على يد ليختنبرج في اواسط القرن الثامن ثم تكامل بشكل تدريجي عند توماس كون في كتابه بنية الثورات العلمية، لكن ما ينفعنا في البحث هو الباراديم بمعنى المعتقدات والقناعات والمفاهيم المسبقة التي توجه الباحثين وتحدد طريقة نظرهم الى موضوعات بحثهم، وعليه فالباراديم هو البنية الادراكية للبحث *
غالبا ما تكون مسألة انبثاق الثورات العلمية حدث فجائي وغير محدد المعالم وكومضة البرق التي تغمر بنورها لغزا بدا غامضا في مضة، هنا يشاهد العلماء شيئا جديدا مغايرا، وهذا التحول يحدث في الرؤية وليس في موضوعات الرؤية، والتحول في الرؤية الكلية للواقع يفرض تحولا في شبكة الالتزامات والعادات والمعتقدات والمفاهيم، وهذه تشبه الخدع البصرية التي ترى الصورة الواحدة فيها بطريقتين مختلفتين كما في رؤية الارنب والبطة، كما في رؤية بطليموس للفلك حيث كان يرى نظاما من الدوائر مركزها الارض بينما راى كوبرنيكوس الدوائر مركزها الشمس فهي رؤية تأويلية تعتمد على نظريات مسبقة وفروض حدسية تنكشف بطريقة الهامية غامضة، كما يحدث للشعراء حيث يستلهمون حدسا غير عقلاني.
يقول بوانكاريه قد يكتشف البرهان الرياضي بمحاولات لاواعية مسترشدة بالهام ذي طبيعة جمالية عن طريق الحلم بها او عن طريق احتساء قهوة سادة.
والبرت اينشتاين يصف الاسباب التي تدفع الانسان الى ممارسة البحث العلمي والتأمل الفلسفي بالهروب من الحياة اليومية الرتيبة بقسوتها المؤلمة وكأبتها البائسة.
الى عالم الخيال والفكر والتأمل الرحب والفضاء المفتوح.
الغرض من المقدمة الموجزة عن الباراديم والتي اشار اليها سروش باختصار شديد اورده بمثال الارنب والبطة لبيان ان المجاز والاستعارة هما خيال منفصل عن شيئين يجملهما شيء واحد كصورة الارنب والبطة وكما في الانسان الصالح عندما يقال عنه انه ملك او الرجل الشجاع يقال عنه اسد او للعالم يسمونه بالبحر .. وهكذا، وهذا يثبت ما اكد عليه سروش من قبل من ان المجاز هو كشف و رواية عن عالم الخيال وتجربة ماوراء اللغة، وليس صنعة لغوية الغرض منها تحسين الكلام وتجميله.
وعليه فالاعتراض بأنكار المجازات والاستعارات على القول بالأحلام ولازمه التمسك بالظواهر وهو تصحيح لمذهب المجسمة والمشبهة، و ان لطافة الكلام وايصاله الى حد الاعجاز متقوم بالمجازات والاستعارات، والايمان بالأحلام الغاء لكل ذلك..
لكل هذه الاعتراضات يقال و بناء على ما تقدم ان المجاز هو رواية لعالم الخيال.
* توماس كون، تركيب الثورات العلمية ص178، نقلا عن نظرية الباراديم عند توماس كون واثرها في علم الاجتماع المعاصر، قاسم عبد المحبشي