لا تسألوا عن أشياء
بناء على الاحلام النبوية سوف ينتهي بنا المقام الى انتفاء الهدف من الشريعة وسيكون الفقه بلا فائدة مرجوة؛ لان ايات الاحكام التي تشكل خمسمائة اية ستسقط عن الاعتبار وتنتفي حجيتها، اذ كيف يمكن العمل على طبق احكام متقومة بالظاهر والعرف وهذان المعنيان لا يصح الاستناد اليهما لو فسرنا تلك الاحكام على نحو من الرؤيا والاحلام.
يقول سروش في الرد على هذا الاتهام: بأني ارى فيه انتصار للفقه على التفسير والمعرفة الدينية، رغم ان الفقه هو اكثر شئ فقرا انتجه الوحي، و كأن المعترض يريد ان يصحح الوحي ليطابق مزاج الفقه، وفي هذا الاعتراض نسيان للاخلاق الفاضلة والتوجه في الصلاة نحو قبلة الفقه.. ثم يسترسل سروش في نقد حالة التفرعات غير المجدية في الفقه والاهتمام بدقائق الامور في باب النجاسات والطهارات التي لم تكن في يوم ما موردا لاهتمام الجيل الاول للمسلمين، مستشهدا بقول محمد عابد الجابري وتسميته للحضارة الاسلامية بحضارة الفقه، ومن قبله ابو حامد الغزالي الذي تكلم كثيرا في كتابه احياء علوم الدين عن التضخم الفقهي وغرور الفقهاء.
وقبل الدخول في تأويلات ايات الاحكام ونسبتها الى الرؤيا القدسية الموحاة، يقول سروش ارى من الضروري الاشارة - ولو على سبيل المقدمة – الى النمو الفقهي غير المرحب به والذي هو عين الانحراف عن الحكم القراني..
ثم يستشهد بأية يقول فيها: ان الفقهاء لم يقرؤونها جيدا او انهم مرَوا عليها لكنهم وبطريقة خفية افتوا بنسخها.. هذه الاية هي: يا ايها الذين آمنوا لا تسألوا عن اشياء ان تبد لكم تسؤكم.
وان تسألوا عنها حين ينزل القرأن تبد لكم المائدة 101.
هناك قلَة من المفسرين ذهبوا الى ان النهي الوارد في الاية معطوف على الاسئلة الفقهية، ويذكروا في ذيل الاية رواية اتفقت على روايتها المجاميع الحديثية للمسلمين ان شخصا يسأل النبي عن وجوب الحج على المسلمين كل سنة او يكتفى بمرة واحدة؟
سيد قطب في ظلال القرآن تحدث عن هذه النقطة بأسهاب فيذكر من جملة ما يذكره: كان بعضهم يكثر على رسول الله من السؤال عن أشياء لم يتنزل فيها أمر أو نهي، أو يلحف في طلب تفصيل أمور أجملها القرآن، وجعل الله في إجمالها سعة للناس.، أو في الاستفسار عن أمور لا ضرورة لكشفها فإن كشفها قد يؤذي السائل عنها أو يؤذي غيره من المسلمين.
وروي أنه لما نزلت آية الحج سأل سائل: أفي كل عام؟ فكره رسول الله هذا السؤال لأن النص على الحج جاء مجملا: ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا والحج مرة يجزي.
فأما السؤال عنه أفي كل عام؟ فهو تفسير له بالصعب الذي لم يفرضه الله في حديث رواه الترمذي والدارقطني عن علي (ع) قال : لما نزلت هذه الآية: ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا قالوا يا رسول الله أفي كل عام؟
فسكت. فقالوا: أفي كل عام؟
قال: لا. ولو قلت نعم لوجبت " فأنزل الله ” يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم“ .
وأخرجه الدارقطني أيضا عن أبي عياض عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: يا أيها الناس كتب عليكم الحج. فقام رجل فقال: أفي كل عام يا رسول الله؟
فأعرض عنه، ثم عاد فقال: أفي كل عام يا رسول الله؟ فقال: "ومن القائل؟" قالوا: فلان. قال: والذي نفسي بيده لو قلت: نعم. لوجبت. ولو وجبت ما أطقتموها، ولو لم تطيقوها لكفرتم". فأنزل الله: يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم.
ومن خلال السرد القصصي للامم السابقة يظهر ان حالة النمو الفقهي والتكاثر المفرط في التفريعات الفقهية مما ابتليت به تلك الامم ايضا، وفي سورة البقرة تروى قصة بني إسرائيل حينما أمرهم الله أن يذبحوا بقرة، بلا شروط ولا قيود، كانت تجزيهم فيها بقرة أية بقرة.. أخذوا يسألون عن أوصافها ويدققون في تفصيلات هذه الأوصاف.
وفي كل مرة كان يشدد عليهم. ولو تركوا السؤال ليسروا على أنفسهم. وكذلك كان شأنهم في السبت الذي طلبوه ثم لم يطيقوه.هذه الحالة تصل الى قمتها عندما تلاحظ الفقهاء اليوم ومن على صفحاتهم الالكترونية الطويلة الذيل وبلغات مختلفة تتحدث بافتخار وزهو عن التفريعات الفقهية في باب الفقه السياسي والطبي والاقتصادي وحالة عبادات الناس على القمر او المريخ او المشتري، وان تراب تلك الكواكب مجز في التيمم او لا؟
تحت عناوين الاحكام المستحدثة، وان الدين كامل جامع خاتم فيه حكم ما كان وما يكون الى يوم القيامة..
للحديث تتمة