اشرفت رحلتي الفكرية في عالم الاحلام النبوية على نهايتها بصحبة دليلي في تلك الرحلة عبد الكريم سروش سابرا اغوارها، متنقلا بين النصوص الالهية ونظريات الفلاسفة وخيال الادباء ، فحطت رحالي عند ساحل ابي العلاء فتوقفت وتاملت ذاك البحر الهائج والمتلاطم الامواج حينها ادركت باني لا اعرف فنَ العوم.
مواقف تتطلب تسجيل بعض الخواطر ولو كانت محرجة احيانا، لكني غير مكترث بما يقال.
الموقف عند ابي العلاء كان طويلا وممتعا قادتني اليه قصة المعراج النبوية فوجدت ان للمعري معراجه الخاص، فسايرت طه حسين في عنوانه " مع ابي العلاء في سجنه "فعنونت مقولتي" مع ابي العلاء في معراجه".
وقبل الحديث عن معراج ابي العلاء تاركا اهل الدين وقصصهم عن المعراج، استوقفني حمار الانبياء البراق، تلك الدابة التي حملت النبي وصعدت به الى السماء، وكيف صورتها مخيلة علماء الدين المتنورين لتكون مركبة فضائية تسارع الزمن وتتصالح مع قوانين الجاذبية والنسبية.
البراق كما يصفه البخاري ومسلم أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه (*)
مكارم الشيرازي وجعفر سبحاني عالمان فاضلان تشهد لهما سوح العقائد والتفسير في حوزة قم العلمية، كل منهما دلى بدلوه في قصة البراق هذا ليجعلا منه امرا يسهل هضمه وفق معطيات العلم الحديث، واستشهد بمقولتهما سروش تعريضا بهما واستخفافا بما سطَروه من نتائج لا تمت للبحث العلمي بصلة.
كتب هذان العلمان مقالات نشرت في مجلة دروس من مدرسة الاسلام حول المعراج النبوي، اثبتا من خلالها ان المعراج كان سفر جسماني في المنظومة الشمسية ليرى النبي عجائب الاجرام السماوية والمخلوقات من العالم العلوي ليحصل على الاطمئنان بوجود الله (**)
واستندا على معطيات العلم الحديث للرد على الشبهات التي قد تثار على مقولتهما حول امكانية اثبات السفر الى الفضاء الخارجي بان نسبية الزمان وسرعة النور او الجاذبية وغير ذلك من الموانع هي في الحقيقة ليست موانع من الغوص في عمق الفضاء لان المركبات الفضائية استطاعت ان تلغي كل تلك الموانع وهذا ما حصل في المعراج.
لكن هؤلاء لم يذكروا كيف حصلت مشاهدات النبي للجنان والجحيم والحور العين ولقاء الانبياء وفي ايَ منظومة شمسية كانت، وكيف مرَ النبي بلحمه ودمه من جهنم وروى مشاهداته عن تلك النسوة المعلقات من أثداءهن.
لكن سفر المعراج الى المنظومة الشمسية بنظر ناصر مكارم لم يكن كافيا لوقوع تلك الرحلة بالقياس لسرعة الضوء ولئلا يقع في محاذير النظرية النسبية، ولعله ذهب الى الثوابت في تفسير ذلك الزمن القصير لرحلة المعراج التي لا تحتملها سرعة الضوء، ولذا اعتبر البراق او المركبة الفضائية مشتقة من البرق لتقع الملائمة مع سرعة الضوء وتحصل الموافقة مع النظرية النسبية .
يقول سروش :
ظاهر هؤلاء الاعلام ومتبناتهم ان هناك علاقة وثيقة ومعازلة حميمية مع النظرية النسبية لالبرت اينشتاين، ومن هنا ظهرت مقولة مهمة اخيرا لرئيس مجلس الخبراء في ايران السيد محمد رضا مهدوي كني بان اينشتاين وعند اطلاعه على روايات المعراج في بحار الانوار اعلن عن اسلامه وتشيعه ومات على الايمان.
رحم الله اينشتاين.
الى هنا تنتهي نظرية احلام نبوية والردود عليها من قبل الدكتور سروش نفسه.
لكن وبالاجمال يمكن ان تفسر طريقة وصول الوحي الى الناس بالتجربة الروحية التي عاشها النبي والتي انعكست بطريقة واخرى على النص القرآني، وتصوير بعض مشاهدها بداية بنزول الوحي وما اعقبها من احداث ميتافيزيقية في رحلة المعراج على انها نوع من الرؤى، الا ان التداخل النصي في القصص السردية في النص القرآني مما يصعبه وصفه بالرؤى والاحلام، وتكرار تلك القصص باساليب مختلفة لا يفسره رؤيا النبي للانبياء بشكل متكرر كما تقدم توضيحه في نص النظرية، اما ظروف ذلك التداخل النصي فهذا موضوع طويل الذيل كتبت عنه كثيرا عند حديثي عن رؤية محمد اركون الى الوحي.
مع ابي العلاء في معراجه عنوان مقالي القادم ...
(*) باب الاسراء ، كتاب الايمان، شرح النووي على صحيح مسلم ،ح 162 تحقيق وهبه الزحيلي، دار السلام القاهرة 1996
(**) جعفرسبحاني، مكتب اسلام، السنة الرابعة، العدد فوق الحمار ودون البغل 1
ناصر مكارم الشيرازي، مكتب اسلام، السنة السابعة، العدد2 -10