وصفت المرجعيات الدينية في العراق بشقها الشيعي بأنها صمام امان للمجتمع لولاها لهوى البلد الى الهاوية، وهذه النبرة تجد صداها يتكرر في الانفاق المظلمة التي تسير عبرها سكة العراق حيث يقودها العمى ذات اليمين وذات الشمال.
وبعد ان وصلت صرخة العراقيين الخافقين جراء ما لحق بهم من الضيم على ايدي المعتوهين من اتباع الاسلام السياسي، شاهدناها تمثل دور صمام الامان كما يسمونها وهي تستصرخ اصحاب القرار لرفع المعاناة عن المظلومين.. وصاحب القرار وهو من لا قرار له يستجيب لنداء المرجعية !!!
اي حماقة هذه ...
هي صرخة العراقيين وحدهم ولابد من الاستجابة لها ولا ربط للمرجعية بها.. وكأن الحالة التي اوصلت البلد وليدة اليوم وقد تنبه لها المرجع بعد غفوة وكأن العميان الذين يديرون الدفة وقد اغرقوها بالوحل لم يحضوا بمباركات المرجعية!!!
حالة المرجعيات هذه ليست وليدة الامس او اليوم ، وانما هي حالة متجذرة في ضمير هذا الجهاز ومنذ القدم؛ تظهر في بعض المطبات التي تتعرض لها المجتمعات بحيث تظهر وتتجلى وتاخذ طابع المنقذ الوحيد عندما يخفق الاخرون؛ مستغلة بذلك الهيمنة الروحية التي تتناغم مع عواطف عموم الناس؛ وتظمر نفسها في بعض اخر وكانها لم تكن وبحسب الظروف المحيطة بها.
أليس العراق خاض حرب الثمان سنوات، ومن قبلها الحملة الهوجاء على احرار العراق، ومن بعدها سنوات عجاف... اين كانت المرجعيات الدينية؟
وعندما حلَت بالبلد اسوء كارثة عرفها تاريخه المعاصر،ظهرت المرجعيات الدينية بعد افول تام وعلى غفلة من الزمن اذ لم يكن لهم اثر في سابق الايام وبمختلف اتجاهاتها المذهبية وكأنها المدافع عن الناس واعلنوها دولة دينية وقسَموا البلد الى اقاليم وامراء وجيوش مذهبية، وقد حصل ذلك في ظل فوضى عارمة سيسجلها التأريخ كمرحلة سوداء ارخت الحماقة فيها سدولها على العقول ولا زالت.
وشهدناه في ايران ايام نظال القوى التحررية ضد الدكتاتورية الشاهنشاهية، وكيف قفز رجال الدين الى قمة السلطة بعد الاستفتاء العام بنعم للدولة الدينية الذي مهدَ للمرجعيات الدينية من بسط نفوذهم فاخضعت فيها ارادة الناس لارادة الولي الفقيه العالم بمصالحهم ومفاسدهم اكثر من انفسهم اذ يعدونهم من العوام والقاصرين ولا بد من القيمومة عليهم وبحسب القوالب الفقهية التي صاغتها عقولهم وجعلتهم بمصاف النبي الذي هو اولى من المؤمنين من انفسهم.
وشاهدناهم ايام الخريف العربي ورحيل الخراف كيف ركبوا التيار السياسي وتسلطوا على رقاب الناس وارجعوا البلدان الى عصور الظلام
وعند الكلام عن المرجعيات الدينية اعني المفهوم التقليدي للكلمة وهو العالم الديني الذي يمتلك قدرة امعان النظر والاستنباط وابداء الرائ في احكام الدين، ايا كان المذهب الذي ينتمي اليه؛ (فهو لا يغير من نمطه وسلوكه سواءا كان سني المذهب او كان شيعيا) وله الحق في رجوع الناس اليه في الفتوى...
هذا المفهوم اذا ما رجعنا به بعيدا الى الوراء سنجده امرا مستهجنا بحسب العقلية السائدة انذاك ؛لانها ستجعل من النصوص الشرعية مادة مطروحة على طارلة البحث.
وبداية لم يكن معنى الإجتهاد يخرج عن القياس أو الاستحسان او المصالح المرسلة والتي وضعت لأجل تحديد أحكام القضايا غير المنصوص فيها، وبالتالي فإن مفهومه لم يكن دالاً على بذل الجهد لإستنباط الأحكام من النص، كما هو واضح عند المذاهب الفقهية الأربعة وغيرها من المذاهب التي سادت خلال القرنين الثاني والثالث للهجرة. فقد عُدّ الإجتهاد مصدراً من مصادر التشريع كالكتاب والسنة والإجماع. مما يعني أن آلية إستنباط الأحكام من المصادر الثلاثة لم تفهم بأنها من الإجتهاد. فالإجتهاد لم يصح إلا مع عدم وجدان الحكم الشرعي من المصادر الآنفة الذكر. وكما قال الشافعي: ونحكم بالإجماع ثم القياس وهو اضعف من هذا ولكنه منزلة ضرورة لانه لا يحل القياس والخبر موجود ويؤيد هذا ما ورد في صحيح مسلم في رواية عن النبي انه اذا أمّر أميراً على جيش او سرية أوصاه ومن معه بأن يجتهد في الحكم برأيه - على من حاصرهم - دون ان ينسب ذلك الى الله.