سألني من اكن له الاحترام بأن الوقت غير مناسب للحديث عن المرجعيات الدينية لانها وقفت مع الشعب لاصلاح امور البلد ومعاقبة المفسدين، وسعت سعيا حثيثا لدعم العبادي في خططه الاصلاحية؟
ولتوضيح الموقف وتصحيح اللبس الحاصل فيما تقدم من حلقات حول دور المرجعيات الدينية في المجتمع، فهي لا تتعدى كونها مجرد محاولة رسم تصور لمحيط الدائرة التي تتحرك بها المرجعيات، فان خرجت عن الدور المرسوم لها فلنا الحق كله في التنبيه على ما تقوم به مما هو ليس شأنا لها...
هذا بحسب التنظير الفقهي وبحسب ما هو مثبت في مدوناتهم الفقهية، فالحديث هنا لابد ان ينظر اليه من الزاوية النظرية، وان ذكرت هناك امثلة من الواقع المعاش فهي لبيان الفكرة لا اكثر...
اما موقف المرجعيات من التدخل في امور الدولة او عدمه فهم خاضع لمتبنيات فقهية بحته تحتم عليهم الوقوف بمنأى عما يحدث وكأنه امر لا يعنيهم، او الوقوف بحزم والعمل على مشروع اقامة الدولة الدينية .
فالتاريخ المرجعي بشقه الشيعي ينبئنا عن اتجاهين اختطوه لانفسهم لفهم الموقف من الدولة الدينية، اتجاه رافض بل محرم لقيام الدولة الدينية وانها ليست شأنا من شؤونهم، واتجاه اخر يرى ان الاضطلاع بمهام الدولة الدينية من اولويات المرجع الديني.
والمنشأ في كلا الاتجاهين قضية الولاية ومقدار سعتها وضيقها..
اصحاب الاتجاه الاول جعلوا من المرجع الحق في السيطرة على اموال القصر واليتامى ومن لا والي له، فالمرجع والي من لا والي له؛
كما ان الامام والي من لا والي له؛ بتنزيل المرجع منزلة الامام من هذه الجهة؛ وهو ما يسمى اصطلاحا "الولاية المقيدة "في مقابل الولاية المطلقة الاتي ذكرها.
فهؤلاء يقومون بمهامهم الدينية فقط
واصحاب الاتجاه الثاني استمروا في التوسع والتشقق وجعلوا من المرجع الحق في السيطرة على كل شئ في حياة الناس؛
وولايته عامة على الاموال والدماء والفروج بحسب تعبيراتهم وهو المعروف اصطلاحا ب"ولاية الفقيه المطلقة"، ذلك المبدا الذي حكم ايران لا زال قائم الى هذه اللحظة.
وكلامنا شامل لكلا الاتجاهين على حد سواء... حتى اؤلئك الذين يقصرون مهمة الفقية في الامور الدينية او ما يسمونها اصطلاحا بالامور الحسبية مما لا ربط له بشؤون الدولة او السياسة، بأنكم تتعاطون السياسة احيانا كسياسيين ايضا.
والا ما معنى ان تتبنى المرجعية فصيلا معينا تصريحا او تلويحا في مقابل فصيل اخر في انتخابات كارتونية مضحكة لم تجلب للبلد سوى الفاسدين والسراق وقطاع الطرق، حتى افتى احدهم بحرمة انتخاب العلماني.
وهنا عندما اكفر بالعملية الانتخابية برمتها سأكفر بالتبع للراعي لها والمروج والمحرض وعند الوقوف امام هذا التمدد والطغيان السلطوي الديني ليس الغرض منه الدفاع عن انفسنا وكرامتنا كبشر فحسب وانما هو دفاع عن حصن الدين ايضا من ان ينقضَ ويتحول الى ايديولوجية ديكتاتورية مسلطة على رقاب الناس، لانهم سوف يستمرون في تشويه الدين عن طريق انزاله من تنزيهه المتعالي الى خضم الصراعات البشرية والاهواء وتضارب المصالح والسياسات، وهذا ما يشهد عليه التاريخ سابقا ولاحقا.
ولذا ينبغي سحب البساط من تحت اقدامهم والتمييز بين المستوى الروحي المتعالي للدين وبين المستوى الايديولوجي السائد حاليا.
ولكن الناس البسطاء لايستطيعون القيام بهذا التمييز فينخدعون بالاقوال والشعارات ويخلطون بين الدين الحقيقي وبين ادلجة الدين، بل ان المثقفين انفسهم لايستطيعون التمييز دائما فما بالك بالناس العاديين...
هكذا تنطلي الحيلة على الناس ويتحول الدين الى نظام ايديولوجي هدفه الوصول الى السلطة او تحقيق المزيد من السلطة ...
وارى ان شعارات العراقيين في نهضتهم هذه واضحة لا غبار عليها " الدولة المدنية" وعند الحديث مع المتصدرين للتظاهرات تراهم يعون ما يقولون، انهم يطالبون بالمدنية.
ومن الواضح انها تسير بخط متواز مع الدولة الدينية القائمة اليوم بأحزاب الاسلام السياسي، رغم الوليد الهجين الذي انجبوه سياسي 2003 من شكل الحكم اذ لا وجهة معروفة لصيغة الحكم، الا انها تقترب من ملامح الدولة الدينية.