قد يبدو النقاش في الادلة المثبتة للمرجعيات الدينية في غير محله، لان المرجع هو من يهب الشرعية لمن يشاء، وسلطانهم هو الذي يمنح الشرعية للغير، ومن دون رضاهم وعطفهم لا تتصف اي مؤسسة دينية او حزب ديني بل حكومة برمتها بالشرعية.
ومع ذلك فانت امام امواج متلاطمة من الايات والروايات لاثبات دعواهم ...
ايات منزلة واحاديث مسندة لاثبات سلطان لا يقوى عليه احد، فلا انقلابات ولا تظاهرات ولا تهم فساد، ولا حتى مجرد كلام في حضرة المرجع ...
حصانة الهية تحرق من يقترب منها ...
من هنا فالتخلي عن السرد القصصي لوقائع مريرة في التاريخ المرجعي على حساب النقاش النظري للاسس المتبناة من قبلهم فيه جانب من الحرفية والموضوعية، ويجنبنا القيل والقال من هذا التابع وذاك الموالي، وهذا ما سيتم التركيز عليه فيما يأتي من حلقات.
اذن خلاصة الحديث منصبة في النقاش النظري للادلة المدعاة على مرجعياتهم لاثبات ما اصبو اليه وهو تحديد الدائرة التي يتحرك بها المرجع في المجتمع .
لكني سأخرج عن المنهجية المتبعة في مثل هذه الموضوعات من سرد الادلة وتفنيدها.. وسأشير الى عمدة ما ذكروه من الادلة والاجابة عنها لكن من دون الخوض في مناقشة الاخبار والروايات دلالة وسندا وترجيح البعض على البعض الاخر، وانما الاقتصار على اثبات المتبنى من تحديد دائرة تحرك المرجعية، وما طغى على ذلك وتعدى فهو خارج ولاتشفع له كثرة ما ساقوه من الادلة.
وقد ساقوا الادلة تترى من الكتاب والسنة لاثبات سلطاتهم تلك...
يذكر محمد عمارة في مقال له عن الاجتهاد في الاسلام:
" رصيد الاجتهاد في القرآن رصيدا ضخما وغنيا، ففيما يقرب من الثلاثمائة آية تحث على الاجتهاد وتزكيه.
أما السنة النبوية، فإن مأثوراتها التى تزكي الاجتهاد وتحض عليه، صراحة أو ضمنا، هي الأخرى كثيرة، حتى لتستعصي على الحصر الدقيق ".
وهذه الادلة التي تستعصي على الحصر - على فرض صحتها - وان دلَت على الاجتهاد بالمعنى الذي ذكرناه من امعان النظر في ما لا نص فيه.
لكن الكلام في تعدي تلك الحدود وممارسة السلطوية الدينية، فهذا لا دليل عليه وانما الدليل ضده لانه تصرف في شؤون الناس وتعد على حقوقهم من دون مسوغ.
والمسألة برمتها تبتدء بأثبات الاجتهاد، ثم تتمدد الى القيمومة والولاية على القصر، ثم تصل الى الولاية المطلقة ...
ولعل ما ذكره فقهاء الشيعة من الادلة على اثبات ولايتهم في ما اسموه بالامور الحسبية على من لا والي له وانهم بمزلة الامام في حال غيبته جعلتهم يتمددون فيعممون ولايتهم على كل مرافق الحياة.
وعمدة ادلتهم مقبولة عمر بن حنظلة وسنقف عندها قليلا.
والتوقيع المروي عن المهدي. نعم هو مجرد توقيع خرج من الناحية المقدسة.
وهذه التوقيعات تعتبر من المستجدات في الفقه الشيعي وذلك لان السنة - التي هي ثاني الادلة بعد الكتاب بالاضافة الى الاجماع والعقل - تعني: قول النبي او الامام او فعله او تقريره، وهذه التوقيعات ليست اقوالا ولا افعالا ولا تقريرا وانما هي مجموعة اسئلة كانت توجه الى المهدي من قبل اصحابه ومقربيه ويجيب عنها كتابة لتخرج الى الناس عن طريق بعض معتمديه .
وقد ناقش الاصوليون من علماء الشيعة في مدى اعتبار هذه التوقيعات وانها كالسنة في حجيتها على الاحكام فاثبتها بعض وانكرها اخرون.
هذه التوقيعات ذكرها مجموعة من المحدثين الشيعة في كتبهم الروائية كابن بابويه الصدوق في كتابه اكمال الدين، والكليني البغدادي في اصول الكافي، والطوسي في الغيبة، والطبرسي في الاحتجاج، واخرون ....
ولايهمني كثيرا الخوض في تلك التوقيعات وماتحمله في طياتها من الاخبار عن المغيبات وانكار بعض المعتمدين للامام بعد الحسن العسكري وتنزيل بعضهم لاموال الخمس في الجيب وعدم تسليمها للمهدي ....،
وما يهمني هو ذلك المقطع من التوقيع الذي جعلوه دليلا على رجوع الناس اليهم، وانهم الحجج على الناس.
تفصيل الكلام في التوقيع تأتي الاشارة اليه.