سأناقش في خاتمة هذه السلسلة الاساس الذي ابتني عليه السلطان المرجعي بعد نهاية حقبة ما يطلق عليه بالغيبة الصغرى للمهدي المنتظر ونوابه الاربع وانتقال النيابة الى المراجع سنه 329 للهجرة والى يومنا هذا.
والمثير للدهشة ان ذلك الاساس لم يستند الى اية من القرآن او حديث من النبي او حتى رواية من الائمة الاثني عشر، وانما هو مجرد توقيع صادر من المهدي ردا على رسالة كان قد بعث بها نائبه الخاص محمد بن عثمان العمري كلَفه بأيصالها اسحاق بن يعقوب .
تضمنت الرسالة مجموعة من الاسئلة حول مسائل مختلفة..
وجاء الجواب وهو يحمل توقيع المهدي على الاسئلة المطروحة .
وقد عرفت هذه الحالة من ارسال الرسائل عبر النواب والاجابة عنها من قبل المهدي المنتظر بالتوقيعات، حتى اصبحت طقس من الطقوس لا تحيد عنه المؤسسة الدينية وما زال قائما الى هذه اللحظة، حيث تسلَم الرسائل المتضمنة للمسائل الشرعية من قبل العوام الى وكيل المرجع الذي يقوم بدوره بتسليمها الى المرجع باعتباره نائبا للمهدي.
ثم يأتي الجواب مذيل بتوقيع المرجع وهوعبارة عن ختم بيضوي محفور عليه اسم المرجع بالخط الكوفي تماما كما فعل ابن يعقوب مع العمري، وهي سنة موروثة في التاريخ الاسلامي.
ونقل ابن بابويه القمي في كتابه اكمال الدين بعضا من تلك التوقيعات رابعها هذا التوقيع برواية البغدادي الكليني يرويها عن اسحاق بن يعقوب، قال سألت محمد بن عثمان العمري ان يوصل لي كتابا قد سألت فيه مسائل اشكلت علي، فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان: " اما ما سالت عنه -ارشدك الله وثبتك ووقاك من امر المنكرين لي من اهل بيتنا وبني عمنا
فاعلم انه ليس بين الله وبين احد قرابه، ومن انكر فليس مني وسبيله سبيل ابن نوح
اما سبيل عمي جعفر وولده فسبيل اخوة يوسف
واما الفقاع فشربه حرام ولا باس بالشلماب واما اموالكم فلا نقبلها الا لتطهروا فمن شاء فليصل ومن شاء فليقطع وما اتانا الله خير مما اتاكم. وما ظهور الفرج فانه الى الله وكذب الوقاتون واما قول من زعم ان الحسين لم يقتل فكفر وتكذيب وضلال.
وَأَمَّا الْحَوَادِثُ الْوَاقِعَةُ فَارْجِعُوا فِيهَا إِلَى رُوَاةِ حَدِيثِنَا فَإِنَّهُمْ حُجَّتِي عَلَيْكُمْ وَأَنَا حُجَّةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ
واما محمد بن عثمان العمري فرضي الله عنه وعن ابيه من قبل فانه ثقتي وكتابه كتابي
واما محمد بن علي بن مهزيار الاهوازي فسيصلح الله قلبه ويزيل الله شكه واما ما وصلتنا به فلا قبول عندنا الالما طاب وطهر، وثمن المغنية حرام واما محمد بن شاذان بن نعيم رجل من شيعتنا اهل البيت واما ابو الخطاب محمد بن ابي زينب الاجدع فانه ملعون واصحابه ملعونون فلا تجالس اهل مقالتهم فاني منهم بريء وابائي منهم براء، واما المتلبسون باموالنا فمن استحل منها شيئا فاكله فانما ياكل النيران،.
واما الخمس فقد ابيح لشيعتنا وجعلوا منه في حل الى وقت ظهور امرنا لتطيب ولاداتهم ولا تخبث " المهم في هذا التوقيع عبارة" وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله".
فقد تمسك بها الفقهاء كأشد ما يكون بدعوى أن مرجعية راوي الحديث في الحوادث الواقعة ليست لكونه راوياً للحديث من دون إستنباط وإجتهاد؛ وذلك لان الراوي لا يمكنه أن يكون بهذا الشكل مرجعاً في الحوادث الواقعة ولا أن يكون عارفاً بألاحكام الشرعية التي تتطلب اعمال النظر والاجتهاد لاستنباط الاحكام طبقا للحوادث الواقعة.
هكذا حاولوا الاستفادة من التوقيع
وللاجابة عن هذه التخرصات اقول:
هل يعقل ان مرجعية دينية بهذا الحجم وبهذه اليد الطولى تثبت بهكذا توقيعات لم يذكر لراويها وهو إسحاق بن يعقوب الا هذا التوقيع، فهو راو مجهول لم يذكره احد من علماء الرجال بتوثيق او بتضعيف، وانما اكتفوا بروايتهم لهذا التوقيع ليس اكثر من ذلك. وحجتهم في الاخذ بالتوقيع مع مجهولية الراوي هي ان الامام اثنى على الراوي وهذا كاف في وثاقته، وكأنهم بذلك يثبتون سند الرواية بالدلالة ، وهكذا سند يسقط الرواية من اصلها فكيف يستدل بها على صحة السند.
والغريب دعوى السيد كاظم الحائري بان سند التوقيع الى الكليني يشبه ان يكون قطعيا ، بناء على رأيه في الخبر الواحد والذي فصله في كتابه اساس الحكومة الاسلامية. لكني لم افهم كيف يكون السند يشبه ان يكون قطعيا مع مجهولية الراوي كيفما كانت المباني في الخبر الواح .
وعلى فرض صحة هكذا توقيع فانه يتحدث عن رواة الحديث، وكما ذكرت في مقدمة المقال فأن الاجتهاد تحور كثيرا واخذ منحنا أخر مختلف جذريا عما كان عليه زمن النصوص، ومحتوى التوقيع غير ناظر الى هذا الاجتهاد بمعناه المتعارف عليه اليوم .
فيكون الدليل اخص من المدعى. لهذا فقد اعترف السيد الخوئي في بحث الاجتهاد والتقليد معتبراً أن إطلاق الرواة على المجتهدين هو إطلاق مسامحي، ومن ثم ذهب إلى أن ظاهرالامر بالرجوع إلى رواة الحديث دال على الإرجاع إليهم بما هم رواة لا بما هم مجتهدون، أن أخذ معالم الدين كما أنه يتحقق بالرجوع إلى فتوى الفقيه فانه يتحقق بالرجوع إلى رواة الحديث
اما مقبولة عمر بن حنظلة وهي ثاني اهم الادلة على سلطانهم بعد التوقيع فقد جاء فيها:
ان عمر بن حنظلة سأل الامام الصادق عن رجلين من أصحابنا، بينهما منازعة في دين أو ميراث، فتحاكما إلى السلطان، وإلى القضاة أيحل ذلك؟
قال:"من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت، وما يحكم له فإنما يأخذ سحتاً،وإن كان حقاً ثابتاً له، لأنه أذه بحكم الطاغوت، وما أمر الله أن يكفر به، قال الله تعالى:
يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ؟ قلت: فكيف يصنعان؟
قال: فإن كان كل واحد اختار رجلاً من أصحابنا، فرضيا أن يكونا الناظرين في حقهما، فاختلفا فيما حكما، وكلاهما اختلفا في حديثكم؟.
فقال: " الحكم ما حكم به أعدلهما، وأفقههما، وأصدقهما في الحديث، وأورعهما، ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر.. يعبر الفقهاء عن هذه الرواية بـ "مقبولة عمر بن حنظلة"، على اعتبار: أن علماء الرجال لم ينصوا على توثيق عمر هذا، ولكن المشهور قد قبلوا روايته هذه وعملوا بها، فأطلق عليها لفظ:
" مقبولة.. بناءا على متبنياتهم من ان عمل الاصحاب جابر لضعف الرواية.
لكن تبقى الرواية من حيث السند لا ترقى الى مستوى الصحيحة او الموثقة لاسيما اذا اريد تأ سيس سلطة مطلقة للفقهاء على ضوء هذه الرواية وهو امر في غاية الاهمية والخطورة.
وعلى فرض صحتها فأن الاسئلة التي اثيرت عن التوقيع المتقدم تأتي على هذه المقبولة، فتكون اخص من المدعى ايضا.
وفي خاتمة مقالتي اعتقد جازما بأني قد اجبت عن سؤال المستند والدليل على المرجعيات الدينية وظهر الجواب بأنه توقيع على ورقة في مهب الريح.