نشيد يردده تجار الدين وسماسرة الاسلام السياسي بعد كل موجة نزوح جماعي من الشرق الى الغرب، وما اكثر تلك الموجات وسوف لن تتوقف بأذن الله، ما دامنا ننعم بولاة امور سيماهم في وجوههم من اثر السجود. وكالعادة وكما هو ديدنهم في التعاطي في مثل هذه الحالات تبتدء المسرحية بثلة من المؤمنين يستفتون سماحة المرجع حول الحكم الشرعي للمسلم اللاجئ الى بلاد الغرب؟
ويجيب سماحته: انه حرام ونقص في الدين ومصداق للتعرب بعد الهجرة.
ولي وقفة قصيرة مع سماحة المرجع دام ظله الوارف: المهاجر الى الغرب لم يعد بحاجة الى فتاوى تلاحقه؛ لان من يضع روحه بين راحتيه ويركب الامواج العاتية قد وصلت معه الهموم الى حد تجعله يرمي كل المسميات خلف ظهره ويستدبر العالم اجمع، عله يستمسك بخيط رفيع ينقذه من عالم غارق بالفتاوى الى الاذقان وضجيج دعاة يصم الأذان.
ثم دعوني اتسائل عن عنوان الفتاوى التي اصابتني بالغثيان منذ سماعها لاول مرة في بداية الثمانينات عندما اطلقها الدجالون من رجال الدين واتباع الاسلام السياسي على العراقيين عندما بدأوا بهجرتهم الثانية الى الدول الاسكندنافية بعد ما تكشفت لهم اكذوبة الاحزاب الاسلامية في هجرتهم الاولى الى ايران ...
التعرب بعد الهجرة؟ حينها قلنا للدجالين: اي تعرب هذا؟ واي هجرة هذه؟ وهل ان السويد او الدنمارك هي بلاد التعرب والبداوة، وبلدانكم الاسلامية هي بلاد الهجرة والمدنية ؟
مالكم كيف تحكمون!!!
والغريب ان اتباع الاسلام السياسي ممن كان يتغنى بانشودة التعرب بعد الهجرة هم انفسهم تعربوا بعد الهجرة فتركوا ام القرى وهاجروا الى بلاد الضباب... واليوم يتكرر النشيد الوطني من جديد: التعرب بعد الهجرة.
اذن المانيا بلاد التعرب والبداوة، والعراق وسوريا وولاية نينوى الاسلامية هي بلدان المدنية واتسائل ايضا: سماحة المرجع اعلى الله مقامه عندما اطلق فتواه هل كان بكامل قواه العقلية والبدنية؟ اشك في ذلك. وهل ان مشكلة الاجئين التي تعاطف معها العالم الكافر تحل بكلمتين خجولتين تختزل معاناة الناس بمقدار نقص الدين او كثرته.. وكان من المفترض ان يتعامل مع الحالة بشيء من الانسانية بدلا من تأطيرها بأطر دينية يحكمها الحلال والحرام. كما فعل القادة الدينيون والسياسيون في بلاد التعرب والبداوة ك " بابا الفاتكان " وميركل المانيا . ولو اردنا ان ننصف انفسنا قبل ان يلعننا غيرنا لقرأنا فتوى التعرب والهجرة بالمعكوس، بمعنى ان الغرب هو بلاد الهجرة كما هو الواقع، وبلاد التعرب والبداوة هي بلادنا الاسلامية وكما هو الواقع كذلك.
وليشهد التاريخ ان بلد الهجرة الاول هو الحبشة المسيحية عندما لجأ اليها المسلمون الاوائل لان فيها ملك عادل بالضبط تماما كالمستشارة ميركل. لكن الذي حدث انذاك ان سعد بن خولة رجع الى مكة مرة اخرى بعد هجرته الى الحبشة ومات فيها... وهنا صبت اللعنات على الرجل واطلقت عليه العبارة الشهيرة " التعرب بعد الهجرة" .. وصارت في عداد الكبائر التي لا تغتفر، وعنوانا لكل من يسير على نهج سعد بن خولة... لكن القصة برمتها تتمثل برجل واحد وفي واقعة واحدة وانتهت القصة، فما هي الغاية والحكمة من تعميمها لتشمل العصور باكملها، وجعلها يافطة وراية عار ترفرف على رؤوس من هجروا الاوطان لنيل الامن والامان. ثم قياس تلك الواقعة على حالتنا المعاشة فيها كثير من الظلم والاجحاف، فأي هجرة ونعيم ودين نستظل بقطوفه حتى ينعت الخارج من ذلك النعيم المقيم بانه متعرب بعد الهجرة وانه قد ارتكب عظيم الكبائر ..
ايها الدجالون سيلعنكم التاريخ ويلعنكم اللاعنون!