ضرب من ضروب الخيال ذاك الكلام الذي ينسجه مخيال اصحاب الاقلام التبجيلية تصويرا للحج على انه مؤتمر سنوي يجتمع فيه المسلمين من شتى بقاع الارض ليشهدوا منافع لهم ويؤدوا مراسم يتحد بها الرئيس والمرؤوس، يتوشحون قطعتي قماش بيضاء ويهتفون بشعار واحد..
للدلالة على:
الوحدة الاسلامية!!
والاخوة الاسلامية!!
والتكافل الاسلامي!!
ثم وبعد اتمام مراسم الحج تخرج تلك الاقلام ذاتها لتبجل الهيئة المنظمة للحج وتغرقها مديحا للانجازات العظيمة التي قدموها لضيوف الرحمان لهذا العام.
هكذا اشاد ايمن حماد في افتتاحية صحيفة الرياض السعودية بأداء اللجنة المنظمة للحج:
"التي يسهر أعضاؤها والمسؤولون فيها على أمن الحجاج والإشراف على الخدمات المقدمة لهم، وقد أنهكهم السهر والتعب وهم في حالة متابعة كاملة والتزام بضرورة تقديم أعلى مستوى لخدمة ضيوف الرحمن".
ولعله يقصد بالخدمات مثلا سقوط الرافعة العملاقة على رؤوس الحجيج لتنهي حياة اكثر من مائة انسان، وهي حصيلة ليست دقيقة نتيجة تقطع اوصال ضيوف الرحمان اربا يصعب حصرها بحسب مديرية الإعلام والعلاقات العامة بالدفاع المدني في الحج.
او التنظيم المذهل والجهد المضاعف لهيئة تنظيم الحج لتسهيل وانسيابية شعيرة رمي الجمرات التي بدورها ازهقت اكثر من سبعمائة روح بريئة جاءت لتلبي نداء ربها!!!
هكذا صور محرري الصحف في العربية السعودية ما حصلت من كوارث لحج هذا العام.
هؤلاء الناس يعيشون ضمن مخيالتهم..
فلاعيون يبصرون فيها، ولا آذان يسمعمون بها..
وهم كالانعام بل اضل سبيلا .
ولم يكتفوا بذلك.. بل راحوا يصبون جام غضبهم على الايرانيين حكومة واعلاما لاتنقادهم كيفية ادارة موسم الحج السيئة لهذا العام التي انهت حياة اكثر من ثمانمائة شخص كانت حصة الاسد من الايرانيين ومن الكارثتين معا سقوط الرافعة وتدافع رمي الجمرات، وكان احد ضحايا الرافعة عضوا في الهيئة العلمية بمركز ابحاث علوم الفضاء الايرانية.
اليس من حقهم الاعتراض والدعوة الى تدويل الحج.. وهل اصبح مسؤولي الحج السعوديين جزء الصحابة لا يطالهم لسان النقد وخارج دائرة النقاش.
وكأن المنهج المتبع مع رموز التاريخ الاسلامي من تبرئة ساحاتهم حتى لو اغرقوا التاريخ دما عبيطا هو ذاته النهج الذي لابد من اتباعه مع خدام الحرمين الشريفين، والاخطاء ان كانت فهي من فعل غيرهم.
وما نشاهده اليوم في العالم الاسلامي من حالة الرقي في البلدان الاسلامية من العراق وسوريا مرورا باليمن نابعة من سياسة الاخوة الاسلامية والتكافل الاسلامي المنتهجة من قبل حكام المسلمين الحكماء!!
لاحظوا كيف هبَ المسلمون بقيادة خادم الحرمين لنصرة اخوتهم في اليمن!!
والنتائج الباهرة التي حصل عليها اليمنيون المتمثلة بتقليم اظافر الايرانيين.. والاخطاء التي يتوهم متوهم انها اخطاء فهي من فعل غيرهم ولا يصح بحال نسبتها الى ولاة الامر في مكة والمدينة.
من هنا وانتقاما لتقليم اظافرهم قام الايرانيون بفعلتهم واحدثوا حالة التدافع بين الحجاج في رمي الجمرات بمنى..
حتى الرافعة العملاقة فهي من فعل العواصف الهوجاء التي تحمل البغض الى ولاة الامر ..
او لعلها تساهل في شروط الامان من قبل عائلة ابن لادن المنفذة لمشاريع توسعة الحرم.. او لعل الايرانيين من قام بسحب الرافعة واسقاطها على رؤوس الحجيج لاحراج المملكة.. او لعل.. قل اي شئ..
المهم ان ماحدث لا يصح نسبته الى خدام ضيوف الرحمان من اتباع السلف الصالح.
لكن ما لا يمكن تصوره ان حالة التدافع على رمي الجمرات هي من فعل فاعل من ايرانيين او من غيرهم، وهل هذه هي المرة الاولى التي يحدثها التدافع من كوارث لنربطها باحداث اليمن ردا على انتصارات القيادة السعودية على الغلابة المعدمين من ابناء اليمن المظلومين.
ثم ان شعيرة رمي الجمرات هذه او بحسب المرتكز الذهني عند الناس رجم الشيطان بالحجر .
من الشعائر التي جلبت الويلات على الناس وستظل حبلى بالمفاجئات ان بقيت والحال هذه، وكأن النصوص الدالة عليها عصية على العقل البشري وتأبى التهذيب بطريقة يتجنب الناس شرها.
حدثتني سيدة كبيرة في السن قصيرة القامة تقربني نسبا، بأنها تخاف الموت سحقا تحت اقدام الحجاج الافارقة اثناء رمي الجمرات فتوكل من ينوب عنها. اجبتها: لا اعرف ان الفقهاء يجعلون خوفك هذا عذرا شرعيا يستحق التوكيل او الانابة.