مقطع ملفت تظمنه خطاب المفتي الاسترالي لوكالات الاعلام يوم الجمعة الفائت تعليقا على الاحداث الدامية التي عاشها الاستراليون خلال الاسبوعين الماضيين، وكان بطلها فتى مراهق ينتمي الى الجالية المسلمة عندما هاجم مقرا للشرطة الاسترالية وانهى حياة احد افرادها باطلاق النار عليه في حادثة وصفت بالعمل الارهابي المنظم...
ولعل من ابجديات التعامل مع واقعة ما هو مناقشتها بشفافية تامة للوصول الى العوامل المسببة ومن ثم ايجاد الحلول المناسبة لها اواحتوائها قدرالامكان وتطويقها لئلا تتفشى وتخرج عن السيطرة...
هذا في صغريات الوقائع فكيف اذا كان الامر يتعلق بعمل ارهابي هو الاخطر على الاطلاق...
انه اللآفة التي نتخر في جسد المجتمع وهو الوباء الذي يهدد الامة الواحدة بالتمزق والانهيار على الخصوص اذا كانت الدوافع من وراءه دينية تستبطن الكراهية التي تصل الى حد الاقدام على القتل ونشر الرعب بين الناس اللآمنين كما هو واقع الحال ....
القضية ليس بمستوى اقدام فتى مراهق على اشهار السلاح وقتل موظف في الشرطة من تلقاء نفسه، كما ان القصة لم تنته لهذا الحد... هي اعمق من ذلك بكثير، كما تشهد له جزئيات الحادث وكذلك التحريات التي كشف عنها لحد هذه الساعة، فلابد من التعاطي معها باعلى قدر من المسؤولية ...
والملاحظ في خطاب المفتي ان القضية لا تخص الداخل الاسترالي وانما هي قادمة من الخارج عن طريق الميديا الاجتماعية ومن الشيخين توتير وفيسبوك، اذن لنطمئن على الشباب وتوجهاتهم فهم بخير ومجالس الوعظ والارشاد بخير ايضا، والقضية برمتها مستوردة من الخارج...
ويفهم من ذلك ان لا ارادة جدية في مناقشة ما حدث لانه امر طارئ على المجتمع المسلم فلا داعي لتعظيم الامر واعطاءه اكثر مما يستحق...
انه الشيخ تويتر والشيخ فيسبوك عليهم لعنة الله وملائكته والناس اجمعين...
آمين
نعم لا يمكن انكار ما لوسائل التواصل الاجتماعي من تأثير على توجهات الشباب وجرهم نحو التطرف، لكن ما حدث يحمل فيما يحمل من المدلولات ما لا يصح نسبته بالمطلق على توتير وفيسبوك؛ لان احد عناصر الجريمة الارهابية هو السلاح الناري فهل يعقل ان نتهم الفيسبوك بتوفير السلاح عبر الاثير وتوجيه الفاعل للقيام بفعلته، مع ملاحظة ان فتى بالخامسة عشر من عمره لا يتسنى له القيام بكل ذلك بمفرده من دون التوجيه والاسناد ...
ثم ان المسببات والدواعي لنشوء التطرف الديني باتت واضحة للعيان، ومن المكابرة بمكان القول بان الثقافة الدينية السائدة في المجتمع سليمة لا تشوبها شائبة الكراهية والغاء الاخر .. الا اذا صارت كلماتنا خارج دائرة الواقع المعاش.
وما اريد قوله ان ما حدث هو نتاج الخطاب الديني المتشدد الذي يسود بعض المجالس ودور العبادة وليس هو انعكاس لثقافة مستوردة من الخارج...
فالحري بالمهتمين بالشأن الديني في الجالية الاسلامية من الاخذ بمأخذ الجد ما حدث، واتخاذ خطوات عملية من شأنها التشجيع على الاعتدال في الخطاب، وتثقيف الشباب على حب البلد الذي ننعم بخيراته واحترام مؤسساته...
اذا لا احد يرغب في ان تتحول استراليا الى ساحة صراع ديني وعرقي، وارتدادات لما يحدث في البلدان الاسلامية من هزات قلبت اسفلها اعلاها..
كنت اتمنى ان يخرج علينا المفتى وبقية رموز الجالية الاسلامية ممن تحدث الى الاعلام بخطاب اكثر واقعية ويتحملوا المسؤولية كاملة عن الثقافة المتطرفة السائدة عند الشباب المسلم جراء ما يتفوه به شيوخ الفتنة وما يشيعوه من افكار تفوح منه رائحة الكراهية النتنة...
خطابا يتناسب مع جمال الخطاب الذي تحدث به رئيس الوزراء ورئيس الولاية من اننا جزء مهم من المجتمع الاسترالي نشارك معا في الحفاظ على القيم الانسانية التي تتحلى بها هذه الامة ...