قد نتفق او نختلف حول حجم التحديات الامنية التي يواجهها المجتمع الاسترالي الناتجة عن احداث تحمل صبغة الارهاب او بالتحديد التطرف الاسلامي عند الشبيبة..
هل هي حالة منظمة يراد بها زعزعة الامن والاستقرار؟
او هي ردود افعال فردية وتشنجات على بعض التصرفات استغلت من قبل المتصيدين فنتجت عنها كراهية شديدة وصلت الى حد القيام بعمل ارهابي؟
وبالنظر الى الجو العام الذي اعقب حادثة باراماتا كما هو منعكس في الاعلام يمكن طرح سؤالين متقابلين:
هل ان المجتمع الاسترالي ذاهب الى حالة من الكراهية تجاه ما يحدثه افراد من ذاك الدين او تلك القومية؟
او ان حالة الوعي التي يتمتع بها الاعم الاغلب من الاستراليين تجعلهم متفهمين لما يحدث فلا خوف يهدد النسيج الاجتماعي المتعدد الثقافات..
وسواء بنينا توقعاتنا على هذه الحالة او تلك فأن المتسالم عليه ان ما حدث يمثل ظاهرة شاذة ينبغي الوقوف عندها ملَيا لدرء ارتداداتها المستقبلية على ابناء الجالية العربية والاسلامية، والتعامل بحنكة وذكاء مع ما يحدث من خلال العمل المشترك للوصول الى الطريقة المثلى لقلع انياب الافعى قبل ان تنفث سمومها في جسد المجتمع.
المهمة ليست بتلك السهولة المتصورة مع ملاحظة كثرة وسائل التوصل الالكترونية التي يستخدمها الارهابيون ويتخفون تحت عناوينها البراقة مما يجعل تحصين الشباب من اخطارها مهمة شاقة.
الاستفادة من تجارب البلدان الملتهبة بنار الارهاب وكيفية تعاملها مع التطرف الديني يشكل احدى السبل الموصلة للخلاص من الارهاب، مع ملاحظة اوجه التشابه بين تلك المجتمعات وتركيبة المجتمع الاسترالي.
الاهم من كل ذلك هو عدم التساهل قانونيا مع حالات ترتبط بأشاعة الكراهية والبغضاء المؤدية الى التطرف الديني ومن ثم الارهاب المنظم، كما حدث في بعض دول اوروبا وبريطانيا خير شاهد على ذلك.
ولعل التجربة البريطانية في الوقوف امام التطرف الاسلامي لا تخلو من فائدة، رغم المتسالم عليه نظريا عدم جدوى استنساخ تجارب البلدان لخصوصية الظروف المختلفة لكل بلد مما لا ينفع معه تطبيق تجارب بعضهم على البعض الاخر .
الا ان التطرف الاسلامي قد يتحد بالطريقية للوصول الى اهدافه متخذا الخطاب والمنبر والشعار والدعاية مطية يمتطيها ويتغلغل من خلالها الى عقول الشباب، وهذا ما شهدناه في المجتمعات التي عانت من تلك الآفة والوباء مما قد لا ينفع معه كثيرا الاساليب المخابراتية والبوليسية، فأشاعة روح الكراهية والبغضاء داخل المجتمع الواحد مشفوعة بالنصوص الدينية امر يصعب السيطرة عليه بالوسائل التقليدية.
من هنا جاء المشروع البريطاني للحد من انتشار الكراهية والتطرف الاسلامي معتمدا خطابا معتدلا يقابل خطاب التشدد وبذات الوسائل الاجتماعية والمؤسسات الخيرية وطرق التواصل الالكتروني من خلال تقوية وتفعيل المؤسسات الخيرية ودعمها معنويا وماديا حيث رصدت حكومة كاميران مبلغا قيمته خمسة ملايين استرليني للقيام بهذه المهمة.
وهذه المؤسسات ستساعد على منع "زرع بذور الكراهية في عقول الناس"، ومقابلة الخطاب الديني المتشدد بخطاب اكثر اعتدالا يعالج حالة العزلة والشعور بالاغتراب لفئة من الناس قد تشعر بصعوبة الاندماج بالمجتمع المؤدي بالتالي الى الارتماء بأحضان الايديولوجيات المتطرفة .
اذن المهمة اجتماعية بالدرجة الاساس وليست مقتصرة على قوى الامن والجهد الاستخباراتي والشرطة مع الاهمية القصوى لتلك القوى لكنها وبمفردها كالاعرج المتكئ على رجل واحدة لا يكمل المسير الا بشق الانفس.
هذا الامر يأخذ ابعادا ومديات متشعبة بتشعب المجتمع ككل ويبني ثقافة مجتمعية عامة تبتدء بالاسرة والمدرسة والمنتديات الثقافية واماكن العبادة وغيرها...