حديث يتكرر بعد العاشوراء من كل عام، يحمل همَا ازليا يزداد يوما بعد يوم حتى اصبح ركاما من المستوردات الموروثة من ثقافات شتى صيغت في بوتقة عنوانها الشعائر الحسينية!!!
هذا العام ازداد الامر سوءا بعد المشاركة الفعالة للاخوات الحسينيات في مواكب التطبير في ظاهرة غير معهودة من قبل، حيث كانت الشعائر المتسمة بالخشونة مقتصرة على الرجال فقط بينما تتزين مجالس النساء بالعزاء والبكاء مع لطم خفيف على الصدور.
اما ان تشارك المرأة اخيها الرجل في مواكب التطبير فتشق راسها بالسيف فهذا ما لم نشهده من قبل.
كيف يمكن قبول مثل هذه الظاهرة كحالة اجتماعية ناهيك عن المحاذير الشرعية والقبح العقلي الذي يلف القضية برمتها، وكيف يصح قبولها من قبل المؤسسات الدينية والمدنية ومؤسسات الدولة ان صح الكلام عن مؤسسات.
هنا تبرز الحاجة الى المثقفين والاعلاميين للاضطلاع بمهامهم ومن دون الاكتراث بمحرمات الحديث في مثل هذه الموضوعات، طالما ان الامر لا يعدو ان يكون طرحا ونقاشا للفكرة لبلورتها وتنضيجها بعد ان عجزت المؤسسات الدينية من الوقوف امام هذه الظواهر بل و مسايرتها والتماس الحجج الشرعية لها واعطاء الضوء الاخضر لخطباء السوء في اجهاض كل المحاولات الاصلاحية، رغم ان مهمة الاصلاح من صميم مهام الحوزات الدينية بل هي في صميم الفكر الشيعي وليست غريبة عليه ’فالحوار الشيعي – الشيعي كان ديدن الرعيل الاول لرجالات الشيعة ممن عاصروا الامامين الباقر والصادق عليهما السلام، فقد نراهم قد تحاوروا في اهم مسالة في الفكر الشيعي وهي مسالة الامامة وفي حدود صلاحيات الامام كما نقل ذلك عن ابن ابي عمير وهشام بن الحكم ’وامثال ذلك كثير مما يحفل به التراث الشيعي في العقيدة والتفسير والفقه واصوله.
ولعل كتاب "تصحيح الاعتقاد" الذي الفه الشيخ المفيد خصيصا للرد على متبنيات عقائدية مهمة للشيخ الصدوق كمسائل المشيئة والارادة والقضاء والقدر والارواح وغير ذلك لهو دليل واضح على روح الشفافية التي كان يتحلى بها هؤلاء العلماء في مناقشة مسائل ذات حساسية شديدة فما بالك بمناقشة ما هو ادنى من ذلك.
وليس هناك مسالة تمس الضمير الشيعي اكثر من قضية خروج الامام الحسين على يزيد بن معاوية هذه ايضا طرحت بمنتهى الشفافية من قبل الشيخ الطبرسي في تفسيره مجمع البيان عند تعرضه لتفسير الايه {ولا تلقوا بايديكم الى التهلكة}.
ووصلت ذروة النقاش في هذه الثورة في الكتاب المثير للجدل "الشهيد الخالد"، وفي الفترة ذاتها وليس بعيدا عنه كان الدكتور علي شريعتي يتحدث حول امهات المطالب التي يبتني عليها الفكر الشيعي كالعصمة للامام ومسائل التقليد والخمس والشعائر الحسينية ايضا.
اقول ذلك واتذكر الدعوة الملَحة التي اطلقها الراحل المرحوم السيد محمد حسين فضل الله الى اخضاع التفاصيل العقيدية لحركة الاجتهاد الاسلامي الشيعي وبنفس القوة ولدرجة التي واجهت بها مسالة التفاصيل الشرعية في فروع الاحكام.. ولو كانت مسائل العقائد تطرح بنفس القوة التي تطرح بها مسائل الفقه لصارت بمنتهى السلاسة وبمتناول ايدي الجميع ولزالت منها تلك الهالات المقدسة والتي ابتدعتها عقول المتاجرين بالدين والمتحجرين بهدف تكبيل العقل الشيعي والرجوع به الى زمن الصفويين والقاجار.