البيان الأخير للمكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي -اللجنة المركزية حول الاستفتاء في الإقليم مؤسف ومرفوض من وجهة نظري الشخصية، فقد تضمن البيان دعوة للحوار غير المشروط بين (الحكومة الاتحادية وحكومة كردستان).
لاحظوا لطفا كيف اختفت عبارة "إقليم كردستان" من هذه الجملة وتحولت إلى "كردستان" حاف، وكأن محرر البيان لم يعد يعترف بأن كردستان إقليم عراقي، ولا شيء بريئا في دنيا السياسة! ولكن هذه المفاوضات غير المشروطة لفظا، مشروطة جدا واقعا، أو هي غير مشروطة من جانب البارزاني الذي لن يقدم شيئا بموجبها كأن يتراجع أو يلغي نتائج الاستفتاء ولكنها مشروطة على حكومة العبادي وتحالفه الوطني "الشيعي". كيف ذلك؟
دعونا نقرأ المطالب التي يطرحها الحزب كما وردت نصا في البيان:
(*مباشرة الحوار عاجلا دون شروط مسبقة، ليس فقط بين الحكومة الاتحادية وحكومة كردستان، وإنما بين الأطراف الوطنية العراقية جميعا، في إطار حوار وطني شامل وفق جدول عمل واضح، وبسقف زمني محدد.
* دعوة الأمم المتحدة للاسهام في تيسير انطلاق هذا الحوار، وتسهيل التوصل إلى اتفاقات بشأن المشاكل القائمة، وتوفير الضمانات لتنفيذها بموجب جداول زمنية معتمدة.
* اتخاذ خطوات سريعة لمعالجة عوامل التوتر والاحتقان في المناطق المتنازع عليها، خصوصا في كركوك وسهل نينوى، وللتوصل إلى صيغ لإدارتها تضمن حقوق أطياف أهاليها جميعا ومشاركتهم فيها، الى حين استكمال تنفيذ المراحل التي تنص عليها المادة 140 من الدستور).
ماذا ورد في ورقة مبعوث ترامب الى أربيل بريت ماكغورك وفي خطاب فؤاد معصوم؟
لقد ورد فيهما الدعوة ذاتها إلى مفاوضات مباشرة وغير مشروطة لفظا ولكنها مشروطة بعدة شروط واقعا ومن هذه الشروط:
1- في ورقة ماكغورك اشترطوا أن يكون للمفاوضات سقف زمني لا يتجاوز العامين. الحزب الشيوعي اشترط وجود سقف زمني ولم يحدد المدة الزمنية.
2- في ورقة ماكغورك اشترطوا أن تكون المفاوضات تحت إشراف ومراقبة لجنة دولية ثلاثية أميركية بريطانية وفرنسية، والحزب الشيوعي يقول بإشراف الأمم المتحدة فقط وبوجود ضمانات تنفيذية لما تتمخض عنه المفاوضات ولم يحدد نوع الضمانات والدول التي تقدمها، والدول الضامنة، على كل حال لن تكون هي الباكستان وأثيوبيا وفنزويلا، كما يعلم محرر هذا البيان المتذاكي!
3- الحزب الشيوعي تكرم وتبرمك بإضافة شرط آخر لم يرد في ورقة ماكغورك من عنده وهو استكمل تطبيق المادة 140 كركوك، وهذا يعني إجراء استفتاء في محافظة كركوك بعد استكمال تكريدها بنسبة لا يصدقها عقل وبجهود السيد رائد فهمي سكرتير اللجنة المركزية للحزب الحالي والذي تم تعيينه رئيسا للجنة تطبيق المادة 140 كركوك في زمن الحاكم الأميركي للعراق بول بريمر ولعدة سنوات بميزانية مفتوحة ضخمة!لقد كان الشيوعيون العراقيون طوال تاريخهم حتى السبعينات من القرن الماضي أمثلة باهرة على اندماج الوطنية العراقية الباسلة بالأممية الإنسانية وقدموا أعظم التضحيات في سبيل ذلك ولكن وبعد قراءة هذا البيان المدان والسيء، أليس من الطبيعي التساؤل عن جدوى الإبقاء على صفة "العراقي" في اسم هذا الحزب؟ لماذا لا يلحقونه بالوليد الذي خرج منه أعني "الحزب الشيوعي الكردستاني"؟
ولكي لا يتهمنا البعض بالتحامل وبعدم الموضوعية والإنصاف في قراءة موقف الحزب الشيوعي العراقي- اللجنة المركزية الذي عبر عنه بيان الحزب الذي توقفت عنده بالنقد قبل قليل، دعونا نقرأ مقارنين بين هذا البيان الذي يريد ترويج وتسويق الورقة الأميركية وبين موقف آخر جرئ وواضح، عبَّر عنه نائب كردي قومي من كركوك هو شوان داودي والذي لايخفي أنه (انخرطتُ في صفوف الحركة القومية الكردية وأنا في الرابعة عشرة من عمري، أي انني ومنذ 36 سنة لم أنقطع يوما..)، ولهذا، أعيد هنا نشر فقرات مهمة من مقالة هذا النائب، رغم أنني أختلف معه في بعض التفاصيل المهمة، كالتخلي عن مناطق نفوذ البارزاني وتركها له ليفعل بها ما يشاء حتى لو كان إعلانه الانفصال، فالبارزاني لن يفعل بها خيرا على كل حال وآمل أن تكون دعوة داودي هذه نتاج غضب عابر وتهكمي! نقطة ثانية أختلف فيها مع النائب داودي وهي حين يحمل مسؤولية ما حدث قبل وبعد الاستفتاء للبارزاني والمالكي فقط، أما أنا فلا أتوقف عن هذين الشخصين والقطبين الكبيرين في النظام الذي جاء به الاحتلال الأميركي فقط، رغم أهمية الدور الذي قاما به، بل أنظر إليهما كدولابين مؤثرين ضمن مجموعة كبيرة من "الدولايب" ضمن نظام حكم كامل يتحمل المسؤولية عن كل ما حدث وما سوف يحدث مستقبلا في العراق ولكن ذلك لا يعفي دواليب أخرى كجلال الطالباني وإياد علاوي واسامة النجيفي..إلخ. وقد دفع، وسيدفع، جميع العراقيين، عربا وكردا وتركمانا وغيرهم، ثمن ما حدث باهظا من الدماء والأرواح والثروات، ولهذا (ألح إلحاحاً) على ضرورة ووجوب أن يرحل هذا النظام ويوضع حد له بطريقة سلمية إن أمكن، فـلاحل_إلابحلها.. العملية السياسية الأميركية الطائفية العرقية أعني!
فقرات من مقالة النائب الكردي عن كركوك شوان داودي:
(*هناك حقيقة في العراق يجب على الجميع الاعتراف بها".." وهي أن هنالك شخصيتين في العراق تصنعان الأحداث، وتمارسان السياسة، وتحركان المسائل، وتجتذبان جميع القوى والكتل السياسية والشخصيات تجاهها، شخصيتان قويتان، ومدعومتان إقليميا من قبل إيران وتركيا، وأفكار واستراتيجيات ورؤى هاتين الدولتين واضحة وجلية، هاتان الشخصيتان شئنا أم أبينا هما بارزاني والمالكي.
*بارزانى، وبعد كل ما أصاب الشعب الكردي بسبب بقائه على كرسي الحكم جلب لكردستان العديد من المشاكل وفقدان الثقة، ويقرر في 7 حزيران اجراء الاستفتاء ويحدد للعملية موعدها ولغاية الساعة الثانية عشرة من ليلة 24 ايلول، واستطاع أن يجر جميع القوى السياسية والأحزاب معه.
وبالرغم من جميع ما قيل بحق المالكي في الشارع العراقي سابقا، فلم نرَ اية ردة فعل من قبل الاحزاب والقوى السياسية وبما فيها الحكومة ذاتها، إلا بعد ان صدر بيان من المالكي حول موضوع الاستفتاء، فانبرى حزب الدعوة ورئيس كتلة دولة القانون ومكتب السيد رئيس الوزراء للتصدي للموضوع ومن بعدهم السادة الحكيم والصدر والعامري و..الخ. في داخل البرلمان العراقي جميع ردود الأفعال حول الموضوع كانت تحرك من قبل كتلة المالكي.. هاتان الشخصيتان وحسب الوثيقة التي وقعاها حول الولاية الثانية لحكم نوري المالكي قسما العراق بينهما، وهما يخدمان بعضهما البعض في السلم وفي الحرب. ومع اقتراب موعد الانتخابات يقومان بتحريك بعض المسائل كي يظهرا كبطلين وكل في شارعه ومن دون اي منافس!
*أعتقد ان كركوك كمدينة والاتحاد الوطني الكردستاني كحزب هما الخاسران الأكبران في هذه العملية! فكركوك وباقي المناطق المستقطعة هي مناطق نفوذ الاتحاد الوطني الكردستاني، ومن مجموع 21 برلمانيا في كتلة الاتحاد الوطني الكردستاني هنالك 10 برلمانيين من المناطق المستقطعة، و6 منهم من كركوك، كما ان مناطق نفوذ الاتحاد الوطني الكردستاني متأثرة بالنفوذ الايراني. فيما يتعلق بموضوع الانفصال لو استثنينا كركوك وباقي المناطق المستقطعة وأجرينا الاستفتاء على صعيد العراق لانفصال السليمانية وأربيل ودهوك وحلبجة أو الخط الأخضر المرسوم قبل تاريخ (9/4/2003) فسنحصل على نتيجة نعم بالإجماع. المشكلة الكردية تكمن في تلك المناطق المستقطعة للمشاكل الاثنية والقومية التي فيها، وتمت مقاطعة الاستفتاء من قبل المكونات الأخرى، وعليه حتى لو حصلنا على نتيجة نعم بنسبة (100%) فلا قيمة لتلك النتيجة، وطبقا للقانون والدستور العراقي تدار هذه المناطق بالاشتراك بين الحكومة المركزية والإقليم لحين حسم وضعها بموجب المادة (140.
*بعد ظهور داعش برزت فرصة للكرد كي يديروا هذه المناطق لوحدهم ولكن وللأسف لم ينجحوا في ادارتها. صحيح انه تم انجاز العديد من الأبنية والصروح والجسور لجعل المدينة أجمل، الا أن جسور الثقة التي بناها الرئيس مام جلال بين المكونات تم هدمها ونما بدلها بذور الكره والحقد في قلوب المكونات الاخرى تجاه الكرد. لذلك اعتقد ان كركوك وباقي المناطق المستقطعة هي الأكثر تضررا من هذه العملية (الاستفتاء)، وما كان باستطاعتنا فعله سابقا لم يعد الان ممكنا وسيخسر الاتحاد الوطني الكردستاني عنصرين مهمين من جرائها وهما: كركوك وصداقة جمهورية إيران الاسلامية التي وقفت دوما بجانبنا في المحن.
*وبعيدا عن المصلحة الحزبية والخسائر والمخاوف التي تحدق بكركوك أقول ليعلن بارزاني دولته، ولا يأبه بنا، وليذهب الجميع فداء لطموحاته التي نبهت لها بمقالتي المعنونة "مخاوف كركوكية من الاستفتاء" والتي نشرت بتاريخ 13 تموز، وحملت فيها بارزاني المسؤولية التأريخية وتبعات ما سيؤول له مصير تلك المناطق، وختاما أتمنى أن يعلن غدا الانفصال كي لا يصاب الكرد بمآسي أخرى وبإحباط تكون تبعاته أقسى بمئات المرات من نكسة 1975.. ليعلنها دون أن يأبه بنا).