تكاد رسالة الفيفا الأخيرة إلى اتحاد كرة القدم، تتخلّى عن السياق اللغوي الفصيح المعتاد، لتنطق باللهجة العراقية الصريحة، وتقول: (كـافـي عـاد)!!
وفي مسيرة مهنية طويلة عايشت فيها مراسلات المنظومة الكروية الدولية الكبيرة، لم أجد صياغة كالتي وردت في الرسالة الأخيرة التي تضجّ بالملل ولو بعبارات تحاول أن تكون هادئة تمّ اختيارها بعناية شديدة، الأمر الذي أرهق اليد التي دبّجت المضمون قبل أن تضع عليه فاطمة سامورا أمين عام الفيفا توقيعها، لينشأ تحول أخر في مسار الأزمة الناشبة بين اتحاد الكرة ووزارة الشباب والرياضة، هذه الأزمة التي استعصى حلها على أبناء البيت الواحد (هكا نظن)، وحَمَلة الهم المشترك (هكذا يفترض)، وبلغة التفاهم المرنة (هكذا نتوهم)!
في الرسالة، يتخلى الفيفا عن الصياغات التقليدية التي ترد الى الاتحادات الوطنية خصوصا عند نشوب الأزمات ، فيتخلى عن لغة الاصطفاف المطلق الكامل مع الجهة الكروية التي تعنيه وهي الاتحاد ، وكما أنه يتخلى عن لغة الوعيد والتهديد والوعيد ويطالب بحضور وزارة الشباب والرياضة ضيفةً إلى زيوريخ..
وهنا لفتت انتباهي جزئية أخرى لابد من التوقف عندها، فالفيفا الذي يرفض التعامل إلا مع الاتحادات الوطنية التي ترتبط به، يحاول هذه المرة احتواء الأزمة بالتعامل ايضا مع الوزارة، بالاستماع إليها وإلى حججها على الأقل!
وتفسيري للأمر أن الفيفا بات يعرف كثيرا مما يجري في البيت الكروي العراقي لكثرة مشاكله، وإنه إذا اتخذ موقفا متصلبا من المرة الأولى إزاء الحكومة العراقية ممثلة بوزارة الشباب والرياضة، فإنه سيضرّ بالاتحاد العراقي لكرة القدم في المقام الأول، وسيصيب مفاصل اللعبة الشعبية التي يديرها بالعطل القاتل هذه المرة، بعد أن كان صعبا على العراق –في الاصل– أن يتعافى كرويا برفع الحظر عنه إلا بعد جهود جبارة بذلها الوزير ومعه اتحاد الكرة!
الرسالة، في معناها الذي جاءت به سطورها، تحمل شعورا عاليا بالمسؤولية من قبل الفيفا لم يسبق أن جسّده في التعامل مع الكرة العراقية خلال السنوات الأخيرة .. وهي لا تحمل لهجة (الاستدعاء) كما قد ذهب البعض بخياله وحَمّـل الرسالة فوق طاقتها ، وإنما مفردة أقرب الى الاستضافة من أجل ألا تتقطع حبال التواصل بين العراق والمجتمع الكروي العالمي المحيط به إذا تم التلويح بالعقوبات!
لهذا ، أرى أن الزيارة المرتقبة فرصة لكل من الاتحاد الوزارة كي يثبت سلامة الموقف .. وفي يقيني أن حصول أي من الطرفين على شخصية مدافعة تطرح الحجج بفصاحة تحاكي عقلية المنظومة الدولية، هو الذي سيربح في خاتمة المطاف! وهذه حقيقة تثير في أنفسنا ألما كبيرا ، بعد أن أصبحنا نجيد لغة الاستعـداء .. أقصد استعـداء الأغراب علينا ، وبعد أن صرنا ننظر إلى أزمة الاتحاد الوزارة وكأنها مسألة حياة أو موت .. حياة طرف .. على حساب موت طرف آخر!!