انتقل مفهوم (الكتلة الأكبر) عندنا من دهاليز السياسة بكل مكرها ودهائها وأحابيلها، إلى أروقة كرة القدم. وبلغ الأمر أن اتحاد الكرة الذي التأم ذات يوم قريب على قلب واحد، وكتلة واحدة ، وهدف واحد في مواجهة كل مشروع للتغيير أو الاصلاح.. أنه أصيب بالانشقاق الظاهر على خلفية التعاقد مع السلوفيني سريتشكو كاتانيش، وصارت الكتلة الواحدة التي وقفت في وجه عدنان درجال ومن معه قبل الانتخابات، وفي وجه يونس محمود خلال الانتخابات.. صارت كتلتين تدّعي كل منهما أنها الأكبر وأنها تملك القدرة على اتخاذ قرار المشاركة في الدورة الرباعية في السعودية من عدمه!
يحدث هذا فقط في العراق، حيث يتشظى كل شيء في كل يوم ، بل وعلى مدار الساعة، ولا تدري ما الذي أصاب هذا البلد الذي كان في عقود بعيدة واحة الاستقرار والعمل (الوطني) بامتياز ، إلى مجموعة من الأوكار التي يتحرك فيها اللصوص والقتلة وشذاذ الافاق بكل خفة وحرية في وضح النهار.
وكان لابد أن يصل المد هذا إلى كرة القدم بوصفها المقربة إلى قلوب الناس ومشاعرهم وأحاسيسهم، لكي تلقى مثل هذا التكالب الذي يدفع أبناء المهنة أو اللعبة أو الصنعة الحقيقيين للانسحاب وقد غمرتهم المرارة، لا يملكون إلا الانتماء إلى اللعبة ، فيما يملك غيرهم الحزب والسلطة والسطوة ولهذا بات يسرح ويمرح، وغايته واحدة: إسقاط كرة القدم من حسابات الناس، وجعلها سلاحا آخر يصيب العراقيين في الصميم!
المشهد حافل بتقلبات عجيبة حتى بين أبناء المحور الواحد.. وكثيرا ما أرى حلفاء الأمس الذين اجتمعوا على غاية أو مشروع وقد أصبحوا فرقا متناحرة.. وفي يقيني أن ظهور المدرب حكيم شاكر على الشاشة وتأكيده المطلق بأنه يملك كل الأدلة التي تثبت تورط طرف أو أطراف باتحاد الكرة في صفقة التعاقد مع كاتانيش، فصل آخر هو الأكثر إثارة وعبثية أيضا.. ذلك لأن تصريحات حكيم شاكر لا تعني بالضرورة مواجهة بينه وبين اتحاد الكرة، بقدر ما هي مواجهة تناحرية داخل الاتحاد الكروي المنقسم على نفسه..
فقد بات الاتحاد يتشكل من محورين وزعامتين وإرادتين، وربما توفرت الأدلة لدى حكيم في سياق هذا الاصطدام بين (الكتلتين)، وهناك من يتحدث عن إن إثارة هذه القضية على الملأ هي القشة التي قصمت ظهر (التلاحم الشكلي) بين مجلس إدارة الاتحاد، لتظهر بفعل ذلك الهوة الواسعة التي تحكم العلاقة بين الاتجاهين! (رياضتـيش) أكثر الكلمات تداولا اليوم في ساحتنا الرياضية، فنحن أمام أسوأ مشهد يمكن نعيشه في دنيا الرياضة.. لا حسيب.. لا رقيب.. لا سلطة تتدخل أو حتى تسأل.. فوضى عارمة لا قيمة فيها للموقع أو المركز.. ذلك لأن قوى التناحر لا تخضع لقانون أو عُرف أو تقليدي اجتماعي، إلا قانون أو عُرف أو تقليد العشيرة والجماعة والحزب، بينما صار التلويح بالرصاص وهدر الدماء فصلا وشيكا، ولا رادّ له إلا إرادة الله!