مفهوم ومهم وطبيعي أن تتخذ الشعوب والأمم من المواعيد التاريخية والتحولات المضيئة في سجلها، مرتكزات للفخر.. وتجعل منها مناسبات للزهو والاحتفال.. ولهذا يُعدّ التاسع والعشرون من تموز إطلالة على مشهد عراقي يضجّ بالفرح.. ففي ذلك اليوم صال الأسُود وجالوا وجعلوا من أكبر القارات في الدنيا مسرحا لإبداعهم!
في هذا المفترق التاريخي، تمرّ اثنتا عشرة سنة على إنجاز العراق والذي نقله من واقع إلى واقع آخر مختلف.. فقد أصبح العراق في أمسية ذلك اليوم أحد الأعمدة التي يرتكز عليها تاريخ الكرة الأسيوي، بعدما تمكن من عبور الصعاب وتجاوز العقبات ليصل إلى منصة التتويج بطلا لأم القارات.. وهو إنجاز تحقـّق في ظرف دقيق وربما عاصف مرّ به النسيج العراقي عموما.. تحقـّق الإنجاز حين كان القتل والتذبيح يشتتان الشمل العراقي.. كانت الدماء تسيل، والوطن الكبير ينزفا ألما وتشظيا.. لكن فتيته الكبار في كل المقاييس تكفـّلوا بأن يقرعوا ملايين النواقيس تعبيرا عن اجتماع الكلمة العراقية ولو في ملعب كرة القدم.. ثم راح المشهد يشدّ إليه كل الغيارى والمخلصين، ليستعيد الوطن الجريح كثيرا من نفحات الأمل والتفاؤل والإقبال على الحياة!
كانوا أبطالا فوق العادة.. لم تغرّهم انتماءاتهم بعيدا عن العراق الواحد.. لم تجرّهم ولاءاتهم إلا إلى تلك الوجوه التي أضناها الاقتتال وقد آن لها أن تحظى بقدر من السلام.. فأطلقوا الفرحة الكبرى هناك بعيدا عن العراق، وكان لها رجع الصدى في هذا الوطن وفي كل مكان وصلته الأنفس العراقية.. كأنهم بذلك يطلقون (المشروع الوطني) البديل لكل دسيسة تريد أن تهزم فينا روحنا العراقية المتـّقدة المُحبة للحياة، الباحثة عن الرجاء ولو في ركام الألم!
نقف اليوم، وفي كل تاسع وعشرين من تموز وإلى ما شاء الله.. لنحيي تلك الصولة العزوم لأبطال العراق أسود الرافدين.. فقد حفظوا للعراق وجهه الكروي وجعلوه سيدا لآسيا.. وحفظوا لهذا الشعب حق التوحد في لحظة ارتباط مصيري حين كانت قطعة الجلد التي نسميها (الكرة) سببا، بعد أن ضاقت بنا السبل، وبعد أن أخفقت الأسباب والمسببات الأخرى في جمع شتاتنا.. لهذا كانوا أبطالا بحق .. لهذا نحتفي بهم اليوم .. لهذا سيذكرهم التاريخ مع مطلع كل شمس .. لهذا حملناهم على كفوف الراحة وطفنا بهم المدائن.. لهذا صار نصبهم أمام واجهة ملعب الشعب قبلة أنظار كل عراقي أو كل زائر يضع قدميه على أرض النهرين.. ولهذاـ أيضا ـ لا نرضى بغير النجاح بديلا.. أيليق بمنتخب أسود الرافدين الذي ارتاد آفاق البطولة أن يتقهقر ويتراجع بعدما أذاقنا طعم القمة؟!
لكل هذا.. ولكل التاريخ البطولي الذي صنعة أبطال الشعب العراقي، نطالبهم اليوم بأن ينبذوا كل هاجس أو خاطر أو محرّض للفرقة في الميدان وهم نموذج لوحدة العراق قبل اثنتي عشرة سنة.. ولكل هذا.. لا نرضى بأن يتآكل إنجازهم، وأن يتحول التاسع والعشرون من تموز إلى نقطة افتراق يتلاشى فيها الإنجاز ويضيع فيه أبطاله فيعود (أسود الرافدين) عن جادة الفوز والفرح إلى زوايا التراجع والإخفاق!
فالألم الذي يتركونه فينا لحظة الإخفاق مرير وكبير.. لكن الأمل يبقى أكبر من مقادير الألم، وهذا هو عزاؤنا في لحظات الفشل، وفي المناسبات والمواعيد الكروية التي نفتقد فيها الفعل الحقيقي للاعبينا.. فنحن دوما نقول إن لدينا (أسودا) سيثأرون لأمجادنا ولأسمائهم، وسيضعون التاسع والعشرين من تموز نموذجا للفوز والفرح ودخول التاريخ من الباب الواسع.