لا يمكن أن تطالب فريقا كرويا بأن يكون إيجابيا أو أن يكون في علياء شأنه، بينما كل شيء حوله يوحي بالفوضى!
أحيانا أشعر بالخجل الشديد لأن انتقد فريقا عراقيا خاسرا، فأنا أدرك أن (الخسارة) تحيط به وبنا من الجوانب الأربعة .. وتحت أقدامنا وفوق رؤوسنا، لا سيما بعد أن استبيحت كرة القدم عندنا.. حتى صارت قصص الأمس جزءا هو الأعز من موروثنا التي نتداوله كلما أصابتنا الخيبة كما هو حاصل في عصرنا الكروي الحالي الذي لا اتصور أن يعقبه عصر أكثر تردّيا، فصارت فرق الدول المحيطة بنا عصيّة علينا، بينما كان الهدف الذي يجب الذهاب إليه في الأمس هو المونديال بعد أن اجتزنا العتبات الإقليمية في منتهى السهولة!
* * *
حين تولّى الطاقم التدريبي البرازيلي قيادة منتخب العراق قبل مباراتي الحسم في تصفيات كاس العالم أمام سوريا عام 1985، كنت حريصا على الاقتراب من ذلك الطاقم ومعرفة كل شيء عنه.. وعندما حصلت في اليوم الأول على كشف بالطاقم (جورج فييرا – إيدو – لانسيتا – انتونيو) ومعهم الطبيب البرازيلي والمترجم سلام العبيدي، كانت الالتقاطة الأولى التي لفتت انتباهي الاسم الثاني وهو (إيـدو) وعدت إلى خزين الذاكرة لأدرك أن هذا المدرب هو شقيق النجم البرازيلي الشهير زيكو..
وقد عثرت وقتها على تقرير لمجلة (الصقر) القطرية في شهر حزيران من عام 1984، فيه المفتاح لأول سؤال سأطرحه عليه.. ففي ذلك الشهر عيّن اتحاد الكرة البرازيلي إيدو مدربا للمنتخب الأول برغم أنه يقود فريق فاسكو دي غاما إلى أبهى الانتصارات.. في تلك المرحلة الحرجة لم يجد الاتحاد البرازيلي غير إيدو مدربا بصفة عاجلة ليقود منتخب السليساو في ثلاث مباريات ودية أمام انكلترا والأرجنتين والأورغواي، على أن يقرر إيدو بعد ذلك استمراره أو عودته إلى فريق ناديه!
حين عرضت هذه المعلومة على إيدو، ثم سألته عن سر التخلي عن مجد كهذا وتولي تدريب منتخب العراق برفقة جورج فييرا، قال: هذه تجربة جدّية واستثنائية وممتعة.. كل شيء واضح عندكم هنا.. العقد.. التعامل.. برنامج العمل.. السقف المحدد للنجاح أو الإنجاز!
* * *
توطدت علاقتي كثيرا بإيدو والطاقم التدريبي البرازيلي كله، بعدما اضطررت في يومها إلى الحصول على إجازة عاجلة من كلية الآداب حيث كنت طالبا أواصل دراستي، للسفر فورا مع المنتخب العراقي صحفيا مرافقا له في معسكره التحضيري المهم في الأردن قبل مواجهتي سوريا.. واتذكر هنا أن نجمنا الكروي الكبير غانم عريبي اتصل بي حين سمع بالتعاقد مع المدربين البرازيليين مستفسرا عمّا أعرفه عنهم.. وحين عدّدت له الأسماء، توقف عند اسم إيدو وقال مازحا: ما دام هيج، معناها منتخبنا راح اتكون (إيـدو) بالدهن!
* * *
اتذكر هذا التعليق الضاحك البليغ الذي أطلقه غانم عريبي ، مثلما اتذكر أن شؤون المنتخب وهو يتجه صوب كاس العالم ، كانت تسير في منتهى الانتظام.. لم تكن حروب السماسرة قائمة أو متاحة للعبث في عقد أو عمل.. كان القرار واضحا صارما داخل اتحاد الكرة، فالرأس لا يعمل ويقرر وحده، إنما هنالك عقول كروية مدهشة ومعها كتيبة شبابية من الإداريين .. كتيبة كريمة النفس تأبى – ولا تجرؤ – أن تعبث مع السماسرة تحت الطاولة.. لا تدنو نفسها ولو إلى مجرد دينار أزرق عراقي واحد!
* * *
في ذلك الزمان.. كان منتخبنا (إيـدو بالدهن).. والدهن الحر حتما.. أما اليوم فأيدينا المرتجفة تهتز على قلوبنا خشية ضياع الطريق إلى مونديال قطر، ونحن لم نبدأ المشوار بعد!