بصرف النظر عن المآل الذي ستصل إليه أحوال اتحاد الكرة العراقي، فإن الأزمة برمتها تطرح أمامنا صورة حقيقية واسعة الأفق، ولا أقول مصغرة، لأحوال البلاد!
أما أعجب ما سمعته خلال اليومين الماضيين، فهو القول إن النزاع الذي نشب داخل أسرة الاتحاد على خلفية التفاوض مع النجم عدنان درجال، يدلل على أن هنالك صقورا وحمائم في تركيبة الاتحاد الرياضي الأكثر أهمية في العراق وفي العالم كله.. ففي يقيني أن الاتحاد العراقي الحالي، كما الذي سبقه، كما الذي سبق الذي سبقه، نسيج واحد، وكل لا يتجزأ، ومنظومة متفقة على أهداف وغايات مهما اختلفت السبل المؤدية إليها..
وقد أثبت الاتحاد، حتى تفاقم أزمة التزوير الانتخابي، (تماسكه) في وجه أية محاولة للتغيير ملتمسا كل السبل التي تصل إليها يده، لكنه لم يدرك أن خطأ واحدا يمكن أن يكون قطعة الدومينو الأولى التي تتساقط بعدها التراتبية فنجد المشهد الذي لم يكن يتصوره الكثيرون وهو تلاحق الإصابات في الجسد الاتحادي! اتحاد الكرة العراقي ليس صقورا وحمائم، ولا تكمن فيه أية اتجاهات إصلاحية أو براغماتية أو متشددة، هذا إذا استعرنا مصطلحات أهل السياسة لنصبّها على المضمون الكروي.. إنما هو مجلس إدارة حرص على أن يحجب الصوت الآخر سنوات وسنوات وعلى مدى أكثر من دورة انتخابية.. والخلاف اليوم الذي يقف فيه الرئيس عبد الخالق مسعود مع نائبه علي جبار من جهة والكثير من الأعضاء الآخرين في الاتجاه المقابل، لم يتصدر المشهد إلا عندما أصبح قرار المحكمة سيفا مسلطا على من ارتكب الخطأ أو حرص على تشويه العملية الانتخابية.. عندها ظهرت لدينا النوايا الواضحة الشفافة التي تفرز الخيط الخط الأبيض من الخيط الأسود..
فالرئيس وبداعي تولي إدارة قمة المنظومة الاتحادية لا يمكن أن يقف متفرجا بينما ثلاثة أشخاص عاملون في الاتحاد كانوا يواجهون عقوبات السجن وهو ما لم يألفه الوسط الكروي العراقي من قبل وعلى هذا النحو، وهي قناعة ذهبت إليها حسابات النائب علي جبار، بعدما ظهر التهديد العلني بكشف مستور الانتخابات وما ظل طيّ الكتمان والسرية ومحدود التداول بعيدا عن الناس والاعلام! هنا بدأ التخندق الذي لا تخطئه العين، عندما ركب الأعضاء الآخرون موجة الرفض للاستقالة، فهم يعلنونها جهارا أنهم جاءوا بالانتخابات، ولم يرتكبوا الخطأ، ولن يتزحزحوا إلا بالانتخابات..
والمعنى الوحيد لذلك أن من بدأ المأساة ينهيها، وأن من أشعل النيران يطفئها على رأي نزار قباني، والإشارة هنا واضحة إلى الرئيس وربما نائبه أيضا! هذه أزمة ولا كل الأزمات.. لن تنتهي في حدود المحكمة، وقرار القضاء.. ولن يسدل الستار عليها بمجرد الإعلان عن ضحايا الانتخابات والعبث في أوراقها، وسواء قربت ساعة رحيل اتحاد الكرة برمته أو تنحي زعاماته.. ففي تقديري أنها البداية لموجة أزمات ستضرب الكرة العراقية!
ما أراه هو مشهد للرمال المتحركة ستبتلع الكثيرين غيابا عن المشهد، لكنهم سيحسبونها جولة واحدة خاسرة وثمة جولات أخرى عليهم خوضها قبل أن يلقوا بأسلحة التحدي.. إني أرى فصولا أخرى لاحقة في الأفق، ستدفع الكرة العراقية ثمنها، بعد أن جاءت اللحظة التي يتم فيها دفع الثمن.. وما فعله عدنان درجال في مبتدأ الأمر سيذكره التاريخ طويلا مهما كانت النهاية.. لكن المعضلة المزمنة أننا لا نتعلم، وأننا لا نفهم الدرس حتى بعد أن يقع الفأس في الرأس.. ستنتهي هذه الأزمة إلى نتيجة، لكنها ستفتح أبوابا لصراعات ستدوم حتى يشاء الله!