أقبلَ الليلُ وفردَ أعجازَه وناءَ بكلكلِ، كما كل ليلة تتسابق سُرادق القنوات الفضائية لتقدم لنا تفاصيلَ حرب تدك معاقل دمشق، لتفصل قلبها المزهر بالياسمين، عن روحها المعتقة بجرار من خمر الآلهة، تحت عيون الأرصفة على مفارق الطرق، لتعتقل أجنحتها الجميلة التي كانت تحملنا نحو الغمام نعانقُ وجهَ القمر لِنُولدَ أبناءَ الشمس، الحبُّ مهنَتُنَا، والمحبة أبجديَتُنا، وعلى جبيننا بصمة مقدسة، مطرزة بمغزل العشاق، مصكوكٌ عيلها حب الوطن من الإيمان.
هو ذاك عيدُ سورية، عيد الحب اليومي الذي يلتقي فيه أبناء الوطن الواحد في الشوارع والساحات، أرواحهم تتدفقُ بخمرة العصور، وعقولهم متقدة من حضارة راسخة ضاربة الجذور في الأرض الطاهرة المقدسة، كما قاسيون الشامخ ضارب في قلب دمشق، لا يثنيه تهديد ولا وعيد، يستعدُّ للقاء العشاق الليلة وكل ليلة ليحتفلَ بيوم الحب الجديد منذ أمد بعيد، هو ذاك الحب الذي لا يتغير مهما مرّتْ عليه السنين، وطغتْ عليه الأعاصير، يبقى قويا لا تهزه ريح، ولا تحركه رياح السمهج بل تمرُّ عليه رياح البليل لتشارك العشق المتواصل، وتقطرُ نداها للعشاق فرحًا باللقاء، في اتحاد ألوهيتين على وجه الأرض.
هو ذاك العشق الذي رسَّخ كينونة حياتنا، وغَرَسَنا على بيادرِ الوطن سنابلَ قمحٍ ذهبيةِ اللون تطعمُ الجائع، وتزين ما تبقى منها رؤوس العاشقين، هو ذاك العشق الدائم الذي علمنا كيف نعيشُ من همس حصادنا اليومي، ونكتملُ حبا بفلاحة الأرضِ تحت الضباب الأرجواني لفجرٍ قادم، هو ذاك العشق الذي ساورَ البياض عندما نقشَ نداه على كل أوراقِ الورد فزركشها بختم رسمي حب الوطن من الإيمان، هو ذاك العشق الذي لا ينتهي مهما مرّ على الوطن من محنٍ كبيرة، بل صقلت أرواحنا تلك المصائب، وتوجتنا بأغصان الرِّند، وعلقت على صدورنا طوق الياسمين.
هو ذاك العشق الذي استطاع أن يسمعَ العالم منه صهيل قلوبنا، ودفء همسنا، وحرف حنين، من قلب الثلج والصقيع، الذي مرَّ على أيادي أطفالنا، وطوَّق وجوههم بالبياض، وقلوبهم بالمحبة، ومن ارتقى إلى السماء، استقبلته بدموع البياض، هطلت كهتَّان جميل على أفئدتهم.
أليس الحب امتداد لحياة طويلة؟؟
أليس الحب احتضان يعلّم البقاء لأجيال قادمة؟؟ أليس الحب لأرض سقتنا رضاب شهدها، وألبستنا حرير قزها، واستقبلتنا شواطئها التي ما فتئت تعتمر كوفية حمراء من دماء أطفالنا، حين يرتفع الموج غضبا، وينسل بدموع تندلق كشلال لا يهدأ؟؟؟
أليس الحب لشجر دائم الخضرة يمنحنا زهرًا، لنتعطرَ بياسمينٍ فواح، ونصيغ منه عقود الفرح ليوم عرسنا اللامحدود؟؟؟
أليس الحب لمهد الحضارات التي جمعت كلدان وآشور، أراميون وكنعان، أموريون وسريان، سومريون وبابليون؟؟؟
مروا وزرعوا أجمل الحضارات
سألني جميع الأصدقاء أين ستسهرين في عيد الحب؟؟؟
قلت لهم: سيحملني السحاب كي ألقي التحية على وطن الياسمين من فوق هام السحب، حيث عناق قاسيون، أتشرد بين شعابه وأمارس مهنة العشق على ذرات ترابه الطاهرة، وأحتسي بضعا من قهوة الشام تفوح بهيل الحياة، ولن أنسى الفول النابت كي يعيدني لفجر عام جديد حين كان مهوى الأفئدة ولقاء القلوب، وأجول بين حارات الشام وأضع رأسي على صدرها الحنون حيث كانت تتحرك فرشاة الرسم تحت رواشينها، وأسترق حكايات الحب والمحبة التي تنبع من القلب وتصب بالقلب.
أيتها الأم السورية أما آن لك أن تنهضي مثل طائر الفينيق كي تعيدي أمجاد الحياة في مفاصلك دون عبثية شرق أو غرب!!!
أيتها الأم السورية أما آن لك أن تستعيدي عافيتك وتتهيئي لاستقبال أبناء الشمس في ساحاتك وعلى شواطئك الحنونة ليباركوا عيد النصر والانتصار!!!!
أيتها الأم السورية ألم تسمعي جبران خليل جبران حين كان يغني من بلاد الاغتراب...
يا بلاد الفكر يا مهدَ الأول
عبدو الحقَّ وصلوا للجمال...
ما طلبناك بركبٍ أو على
متنِ سفنٍ أو بخيلٍ ورحال....
لستِ في الشرق ولا الغرب ولا
في جنوب الأرض أو نحو الشمال...
لستِ في الجوِّ ولا تحت البحار
لست في السهلِ ولا الوعر الحرج....
أنت في القلب والروح والفؤاد، أنتِ حبٌ لا ينتهي، ومكان لا يزول حتى يزول العالم، شامخة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، هو حبك من القلب إلى القلب ينثر عطر الحياة ويرتل، حب الوطن من الإيمان على أرض الياسمين.