ما إن أرحِّل مرافئ الأحزان من قلبي حتى تعود لتشدَّ مضاربها إلى مفاصلِ وطني، من أيادي قذرة، لقيطة، لا تعرف معنى السلام، ولا تدرك أركان المحبة.
تنفَّسَ الصبحُ عن حزنٍ كبير، حين صبغتِ الجرائم مفاصلَ الوطن، وزينتِ الأيادي المقطوعة جدرانه، يفوحُ منها رائحة الدم السوري ممزوج بالياسمين، وجماجمُ مهترئة على قارعةِ الأرصفة، وتحت عيون الأعمدة، إلاّ من قلب صغير تدحرجَ إلى السماء وهو يتمتم ماما دفاتري احفظيها، كي أعود لأكتبَ الواجب المدرسي، وكتبي زينيها بقلادتي التي رسمتها يوم عيدك، مرصعة بجميع الألوان التي تعشقين، مصكوك عليها ـ أمي يا قديسة الحب ـ أنتظر حضنكِ يا أمي كي أزدادَ محبة، وقبلتك المسائية والصباحية التي تطبعيها على جبيني كي أصحو على وجهكِ المقدس، وموسيقى صوتكِ العذب الذي يدندن بسمفونية الصباح.
انتفضَ قلب الأم حين سمعتْ صوتَ الموتِ أرعدَ في ثنايا قلبها، وزمجر بروحها، وأنهك مفاصلها، هي ودعت طفلتها إلى المدرسة، لكن حين سمعت صوت الموت هرعت مذعورة تبحث عنها بين الأشلاء الممزقة، وبين الجماجم المشتعلة، وبين القلوب المتدلية على أغصان الياسمين، علها تسمع أنينها من بين تلك الأظافر الإرهابية المدببة بالحقد، والتي صبَّت جام غضبها على وطن الياسمين.
صرختْ بأعلى صوتها.. شام .. يا روح الحياة التي أطفأها الإرهاب، أيها الموت اليومي لبراعم الوطن وشبابه ماذا أطلق عليك؟؟ الزؤام الجهنمي، أم الموت الموعود، والركوع لحثالة جاءت إلينا من أصقاع العالم لتجعلنا نعيشُ في شريعة الغاب.
ماذا أطلق عليك أيها الإرهاب؟
اللعنة التي حلّت بوطننا، أم القتل الموجع ليلا نهارا دون رأفة، تمدُّ أظافرك لتنهش فلذات أكبادنا، وتفتتْ قلوبهم الصغيرة، فخرائب وطني امتدتْ إلى الحلقوم، وناختِ الهامات إلى أقصى العمق في الوديان، حتى انفصلت العظام عن لحمها المهروس بين الأنقاض.
ماذا أطلق عليك أيها الإرهاب؟
حين خطفت .. شام ..
بعد أن انتظرتُ مجيئها عشرين عاما، سرقتَ الفرحة، واغتصبتَ الأمل، وزرعتَ الفوضى على معابر الحياة، ومزقتَ ثوب السكينة بأنيابك الحادة، لكنك لن تمزق الإيمان بأن وطني سيقوم من بين الرماد وإن ارتقت براعمه إلى السماء، وإن خسر الوطن شبابه فأرض الشام ولاّدة لا يعجزها الإنجاب، والمرأة السورية صابرة صارعت كل أنواع الألم والضياع والتشرد والتهجير.
من وراء جدران الحاضر المغمَّس بدماء الأبرياء، على مسرح الجرائم، مازال هناك الجمال يرتع بين أرواح السوريين ليعيدوا بناء الحياة، رغم الوجع الذي تسلل إلى قلوبهم، وأثقل الدمع أجفانهم، وقيَّد القتل حركتهم، فمادت الأرض واهتزت من تحتهم، حتى الفضاء وثب مدفوعا بقوة هائلة ليرخي بظلاله على حياتهم.
وكأن وطن الياسمين وُجدَ للجلد من أولئك المرتزقة الفاشية، والعصابات القذرة التي فردت عضلاتها على أركان الوطن وساحاته وميادينه، بأمر من السياسة الصهيوأمريكية لتجتزَّ كل معاني الحياة، والعمل على تقسيم المقسم وتفتيت المجزأ بمعاهدة سايكس بيكو ثانية، أو بحرب عالمية ثالثة.
إرهابٌ يقتلُ باسم الله، ويذبحُ باسم الله ويفجِّرُ باسم الله، والله براءٌ مما يفعله الظالمون، حين ترتقي براعم الحياة إلى السماء وهي مازالت تفتح أعينها على الحياة، طيور غردت بعيدا بسمفونية مختلفة، ربما تجد المحبة هناك مكللة بالياسمين، مزركشة بشفاه الدحنون، لا قتلٌ ولا إرهاب، لا ذبحٌ ولا تعذيب، بل هدوءٌ وسلام.
إرهابٌ يقوم على قانون الغاب، ربته أيادي قذرة، وسمَّمَتْ أفكاره عقولا دموية، وموَّلته الصهيوأمريكية، وربيبتها الناتو جاءت به من سجون الجريمة، ومن ملاجئ اللقطاء الذين تغذوا على دماء البشرية ظنا منهم أنهم بعيدين عن خطر إرهابهم، لكن طبّاخ السم من الضروري تذوقه ليستقر غدا على الحدود الأوربية بلا منازع، وفي قلب الصهيوأمريكية التي عاثت فسادا في وطننا الجميل.
أوقفوا القتل يا حثالة العالم، وطن الياسمين ليس لكم ولن تمروا، أوقفوا القتل أيها المجرمون.
ثروات الشام لنا، وخيرات الوطن لنا،
والماء لنا، والبحر لنا
وملح الأرض لنا، وشام الحب لنا،
شام الياسمين لنا،
لن تمروا وإن ارتقت براعم الوطن إلى السماء.