حين رأيت الخبز الملوث بلون القذائف أخذتني الذاكرة التي ما زالت على قيد العمل إلى تنور حارتنا القديمة ورائحته الجميلة، ولونه الذهبي، وسرحت مع شجرة الياسمين التي زرعتها أمي بكلتا يديها، ودالية العنب التي هذبها أخي لتمنحنا ظلا وورقا جميلا أخضر اللون، وطعمُ عنبٍ لا مثيل له، وأعشاشُ نحلٍ قاطنة بجوار الدالية لتغازل عناقيد العنب المتدلية بطعمها اللذيذ، ولونها الذهبي الجميل، وعصافير الدوري كان لها نصيب منها حين يطيب لها المقام على أغصانها متنقلة بين دالية العنب والورد الجوري وشجرة الياسمين تبرق عيناه فرحة بندى الفجر، كنت أرقبها وأنا أرتشف قهوتي الصباحية من فنجان كانت قد حضّرتها أمي الحنون شفاها الله.
الذاكرة استفاقت على الركض في الظلام الدامس كل ليلة تنتظر موعد الكهرباء علّ وعسى تحمل شربة ماء حين تعمل دارتها الكهربائية كي تنقل الماء للمناطق العالية، لكن النفوس الضعيفة لم يعد يهمها الآخرون حصلوا على شربة ماء!!!
أم أصبحت شفاههم مشققة مثل الأرض اليباب، لأن مزاجهم لا ينعدل إلا بتشغيل نافورة البحرة مع دخان الأرجيلة، وما بعدهم يفنى العالم، أو يلجأ البعض لفصل الدارة الكهربائية ليستحوذ على أكبر طاقة ممكنة من الكهرباء.
أي زمن نعيش نحن في ظل حرب شرسة؟
بل أي حياة تسير تحت ضغط الغلاء الفاحش الذي أضحى غول العصر في قلب وطن الجمال، لا يستثني أحدا إلاّ ومر ببابه ليقتصّ من قوت أولاده اليومي، ومعيشته المتواضعة، وتفرع ذاك الغول ليمد أذرعه شرقا وغربا، جنوبا وشمالا حتى أنهك حال السوريين قتلا وتدميرا وفناء في حلب الشهباء التي دفعت أكبر فاتورة حرب قذرة من الهمجية الداعشية والأردوغانية القذرة الحالمة لإعادة سحر الامبراطورية العثمانية مع الأطراف الصهيوأمريكية والغربية ولن أستثني أحدا مرّ في الشمال السوري وعاث فسادا من أجل شرق أوسط جديد، كانت قد أعلنته كوندي الشريرة حبيبة بوش الثاني وذراعه المدلل أيام حرب تموز على لبنان عام 2006م إنها سالومي العصر التي ما فتئت تمد براثنها للسيطرة على الشرق الأوسط من أجل عيون الكيان الصهيوني تحت عدة مسميات وحياكة المؤامرات بقولها "مخاض الشرق الأوسط الجديد والعسير" أي تقسيم المقسّم، وتجزئ المجزأ، وتفتيت المفتت، لم تكتف برأس سيدنا يحيى عليه السلام بل طلبت جميع الرؤوس العربية لتتربع على عرش الهمجية والعنف والقهر والتدمير بدء من العراق بحجة أسلحة الدمار الشامل، وبعد ثلاثة عشر عام من الحرب على العراق خرج علينا السيد الكاذب العاهر توني بلير ليعتذر للعراق وللعراقيين.
أي عهر سياسي مارسته أيها الكاذب المنافق بلير ولو كان العالم إنسانيا عادلا لأعدمه شنقا، تلتها ليبيا ومصر ومن ثمّ سورية، ولتمرير المخططات الصهيونية التي حلم الغرب والكيان بها منذ وعد بلفور وإلى الآن، كروا وفروا، نهشوا ودمروا، قتلوا وسرقوا، صدّروا لنا 360 ألف مقاتل من جميع أنحاء العالم بما فيهم الصهاينة، لكنهم لن ولم يمروا، سندافع حتى الرمق الأخير، وإن بلغت النفس الحلقوم، ستكون حلب مقبرتهم أجمعين، وستبقى سورية موحدة حرة أبية. إنها حرب البسوس الشرسة على سورية دمّرتِ النفوس ولم يحصل ما يماثلها بالحرب العالمية الثانية، حتى غدت النفوس خواء، أمّارة بالسوء تبحث عن ملذاتها في الحياة ولو على حساب الفقراء والجائعين، والتسلط على الضعفاء والمساكين، همها الوحيد الاستحواذ على أكبر رصيد مالي تعبئه في خزائنها الجشعة، من خلال الفساد الذي استشرى بجميع الطرق في مفاصل الوطن، ودخل إلى كل الدروب حتى آلت للضياع، طالما هناك حرب قائمة لا تفي ولا تذر.
نفوس تربى في داخلها الحقد الأعمى، وتربع في ثناياها الانتقام، ولم يعد يهمها إلا جمع المال أمام أطفال مزقتهم الحرب، وشردت عائلاتهم، وساقتهم إلى سوق النخاسة رقيق أبيض، وما تبقى منهم تحت الخيام المهترئة ترنو أعينهم لقطعة حلوى، يسيل لعابهم أمامها، أو حبة فاكهة يطير البصر إليها، علّ وعسى تأتي معجزة من السماء يمدها الله عز وجل لتسد غائلة جوعهم، وتسند طولهم وتروي عطشهم، والعالم القذر يمارس عهره السياسي أمام أطفال سورية لأنه فقد إنسانيته وحسه البشري.
عالم لا يعرف غير المال القذر يجنيه ولو على حساب الآخرين، عالم تفشى الانتقام في نفوسه الدنيئة والذي طالعنا في عودتنا البهية على الحدود اللبنانية من الشام إلى بيروت، ثلاث ساعات في الأمن العام بدل أن يختم للخروج وضع جواز السفر جانبا، وعندما سألته امتعض مليا، وأجاب بسخرية: صورة الجواز لا تتطابق مع صورة الإقامة السعودية، لكنه على ما يبدو نسي أو تناسى موظف الأمن العام اللبناني المعلومات الذي حفظها حاسوبه الآلي أن الأرقام واحدة، والاسم لم يتغير، وأن صورة الجواز تكون في بلد المنشأ، وصورة الإقامة في بلد المضيف ولن أزيد أكثر، لكن النفس الأمارة بالسوء كانت تطمح لحفنة دولارات.
لم ألتزم الصمت بل جادلته بالتي هي أحسن، وانتظرت إلى أن فكّ أسر الجواز ووضع ختمه البهي حين شعر أنني لن أتنازل وأدفع له ما يريد تحت ذريعة الصورة غير متطابقة مع نفسه المريضة، اعتقدتُ أن الأمر انتهى عند ذلك!.
لكن ضابط الأمن العام في المطار كرر نفس المّوال فتظاهرت بالغباء، وجعلني أقوم بمشاوير مكوكية بين شركة الشرق الأوسط ونافذته عله يحظى بحفنة من المال متذرع بطلب الكرت الذي يحمل اللون الزهري والذي يجب أن يعطيني إياه هو، لكن حقده أرسلني إلى شركة الشرق الأوسط أكثر من مرة وأنا أمارس هواية المشي والوقت لم يكن لصالحي مطلقا.
خرجت من الأمن العام للجوزات لأرى أمامي طابور لا يعد ولا يحصى ولائحة مكتوب عليها للسوريين فقط.
افترشت الأرض، حتى قلدتني أكثر النساء الواقفات يحملن أطفالهن وبعد ربع ساعة جاءني ضابط بوجه بشوش يسألني عن سبب جلوسي على الأرض فأجبته: بلغتُ من الكِبَر عتيًا،
فضحك وفتح لنا منفذ آخر للخروج وبعد الختم قلت:
أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله
لأن روحي كانت تتصاعد رويدا رويدا، من حقد أعمى، يولّد بالنفوس الضعيفة.
ماذا فعلنا ليعاقبنا العالم كله بصورة وحشية؟؟
لكوننا أبناء الشمس، من مهد الحضارات، وأبناء الأبجدية الأولى. نحن السادة بيدنا سيكون صنع القرار أمام حرب البسوس التي دمرت النفوس.