مدينة أوفيزي الجميلة أحييت الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد عالم الآثار خالد الأسعد رحمه الله وجعله في الفردوس الأعلى.
حيث قامت مدينة أوفيزي احتفالاً عاماً في الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد "خالد الأسعد" والذي قضى في مدينة تدمر في 18 آب الماضي دفاعاً عن التراث الحضاري والتاريخ الانساني على يد إرهابيي مصاصي الدماء وآكلين الأكباد، عصابات داعش، عصابات مجرمة لم تفرق بين عالم وطبيب، بين جراح ومهندس، بين معلم وتاجر كانوا عندها سواء في القتل والتدمير، في الهمجية الصهيونية، وكل ما تعلمته تلك العصابات على أيدي مجرمي الهاغانا، مارسوا نفس جرائمهم في سورية الوطن الحبيب، واستشهد على أيديهم عاشق تدمر وابنها المخلص خالد الأسعد العالم الجليل مدير آثار تدمر.
حيث أُقيم الاحتفال يوم الخميس في 18 آب 2016 بمقر الكنيسة السابقة للقديس بيير شاريغيو في مدينة أوفيزي وكانت الدعوة عامة في ذاك الصباح الذي اجتمع فيه أكبر الشخصيات، حيث شارك في الاحتفال المدير العام لمعرض أوفيزي وقائد وحدة حماية التراث الثقافي في فلورنسا بالاضافة إلى العديد من علماء الآثار والشخصيات العاملة في مجال حماية التراث والمحافظة عليه.
خالد الأسعد الذي جُبِلت دماءه مع ثرى تدمر حتى نطقت تلك الأرض حزنا، وذرفت دما على فراق الهامة الثقافية التاريخية والتي ما فتئت تتلمس ذكراه من صوت زنوبيا حين قالت نحن شعب يعشق الحرب لن نستسلم، ننتصر أو نموت.
لقد امتزج ريحه مع نسمات تدمر كلما هبّت سطرت اسمه على آثارها، ورسمت أجمل قصيدة عشق لعمره الذي أفناها في خدمة تدمر، وآثار تدمر، وكل حبة رمل منها، حتى أصبح جزء لا يتجزأ من هذا التاريخ العظيم الذي ترك وراءه إرثا تذكره الأجيال إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
خالد الأسعد عاشق تدمر لم يهاب الموت يوما، ولن يخاف هؤلاء الرعاع الذين مروا محملين بالحقد الأزلي ليمسحوا ذاكرة الزمان والمكان، وظنوا أن القتل يخيف الرجال، أو يمسح وطنًا متناسين أن الموت منح خالد الأسعد شرفا كبيرا وعزا لا ينتهي بدفاعه عن الأرض والعرض، دفاعا عن مدينة تدمر الأثرية التي تعد من أقدم المدن التاريخية في العالم والتي تنتشر أوابدها على مساحة كبيرة، يعرفها القاصي والداني، قدم روحه ودماءه فداء لها.
وكأن ما فعله يوائم فكر المناضل انطون سعادة حين قال: " كل ما فينا هو من الأمة، وكل ما فينا هو للأمة، الدماء التي تجري في عروقنا عينها ليست ملكنا هي وديعة الأمة فينا متى طلبتها وجدتها".
كانت دماء خالد الأسعد وديعة في قلب تدمر فقدمها غالية للثرى التي عفّر وجهه به طول حياته، لتبقى شامخة أبد الدهر، دماء نقية لا يشوبها حقد، ولا تتركز فيها عدوانية همجية، كانت دماء ذكية طاهرة نقية رَوَتْ تراب تدمر.
خالد الأسعد العالم السوري الشهير الذي شغل منصب المدير العام للآثار ومتاحف تدمر مُنذ عام 1963 عمل مع عدة بعثات أثرية أمريكية وفرنسية وألمانية وإيطالية وغيرها خلال سنوات عمله الطويلة ونال عِدة أوسمة محلية وأجنبية. وكان يتحدث لغات أجنبية بالإضافة لإتقانه اللغة الآرامية (لغة سورية الطبيعية قبل آلاف السنيين) وكان له حوالي 40 مؤلفاً عن الآثار في تدمر وسوريا والعالم، بقي الخالد في سماء تدمر.
وتكريما لعاشق تدمر عالم الآثار الشهيد خالد الأسعد صدر كتاب بعنوان "خالد الأسعد عاشق تدمر" عن وزارة الثقافة - الهيئة العامة السورية للكتاب وتضمن الكتاب أيضاً العديد من المقالات الآثارية التي كتبها الشهيد الراحل ـ آثار سورية أم الأبجدية ـ كما تضمن مجموعة من الكلمات والشهادات والآراء لشخصيات عربية وأجنبية قيلت في حقه.
حيث بدأ الكتاب بكلمة للدكتورة نجاح العطار نائب رئيس الجمهورية والتي حملت عنوان "يا خالد تدمر أنت.. وأنت تدمر" كل ذرة رمل في تدمر تشهد على جهودك وما بذلت تعرفك وتعرفها وسيظل جرحك الطاهر نازفا يرعف في قلوب مواطنيك ويظل عويل الرمال في سمع الدنيا شاهدا على إجرام المجرمين وعلى براءة النبالة في محياك".
وتحت عنوان ـ شهيد الإنسانية ـ كتب الدكتور مأمون عبد الكريم المدير العام للآثار والمتاحف "كان الرجل استثناء في كل شيء بدء من سعة معلوماته وغنى ثقافته وكرمه وسماحته، وصولا إلى تواضعه الكبير وانسانيته الدافقة".
ووصف وليد الأسعد نجل الشهيد والده بـ حارس الأعجوبة وشهيدها، وتحت هذا العنوان كانت كلمته التي أورد فيها ما كتبه والده الشهيد خالد ذات يوم على صفحته الشخصية على الفيسبوك، "حبي لتدمر وعشقي لها لا يوازيه أي شيء في الدنيا ولقد زرت معظم مدن العالم شرقا وغربا، ولو خيرت بينها لاخترت تدمر فعلى ترابها عشت ومن مائها شربت وكل ما قدمت من أجلها من جهد وتعب أقل من الواجب".
تدمر الأعجوبة لم يمت حارسك إنه يتمدد في ثراك حتى يظل يشمَّ ريحك الجميل، وتظل ذكراه متقدة على مر العصور للأجيال القادمة تذكر ذاك الإنسان الذي ترك بصماته عالقة على ذرات ترابها، وعلى جسد أوابدها العظيمة التي كان يميط عنها الغبار بأنامله السورية كي تبقى شامخة للأبد ولأجيال على مر العصور.
وأنا أقول:
نَمْ قَريرَ العينِ عُمْدَةَ تَدْمرٍ...
باحثُ الجمالِ الصُّوفي المُتَأَمِّلِ....
خمسونَ عامًا تُلامسُ ذراتَها...
عروسُ الصحراءِ لن تَذبَلِ....
يَدَاكَ قُدَّتْ من شَوْقٍ وعشقٍ...
لتُرابِها صدىً لن ينجلي....
نَقَّبْتَ في ثَراها طويلاً...
بَصَماتُ أنامِلِك شَاهِدةُ المُحَلِّلِ...