كلّما رحلّتُ مرافئ الأحزان عادت لتشدَّ مضاربها إلى روحي، وكلما حلمتُ بوطنٍ جميل تعيش مدنه بسلام، يعود إليها الإرهاب ليعيثَ فسادا فيها ويجعل القلق يمتد في مفاصلها، يقتل ويدمّر ويشرِّد باسم الله، والله براء مما يفعله الظالمون، وكلما نسجتُ حروفي للجمال يتسلل الحزن من بين شوارع المدن وما ترك الموت من جثثٍ ودماء بين ساحاتها العريقة دون رادع أخلاقي لما يقوم به أصحاب النفوس المريضة، وما خفي بين النوايا القذرة التي ألفت القتل، وروَّعت البشر، وما فاح من رائحة الموت في حربٍ طاعنة في الأجل، ومستمرة لقتل الأبرياء، وما تدلى من زهر الياسمين ليفوح عطره في جيد النساء إلا شجر العوسج ليعلن الموت العام على الشواطئ والأنهار وما سمعنا من أنين النواعير إلا وذرفت دموعها حزنًا على فراق الأحبة.
ساحةُ العاصي غرقت بدماء الأبرياء ظهر الاثنين 2.10.2016م وما خفي في الصدور الحزن، وشلال من دموع ذرفتها الأعين على فراق أحبتها من ضربات الإرهاب المجرم الذي قطّع الأوصال، وما انتهى من الأفئدة إلا على جنبات الطريق الذي كان يعجُّ بالمارة فاحتضنهم الموت الزؤام.
أي فكر يحملون هؤلاء القتلة لينتزعوا البسمة من وجوهنا، والأمل من أرواحنا؟؟
أي فكر جعلهم يعشقون الموت لينقطع قلبهم عن الخفقان وهم ذاهبون إلى جهنم وبئس المصير بجسد ممزق، وروح قذرة؟؟ أي فكر يعملون به؟؟
ألم يقرأون كتاب الله عز وجل حين قال" "أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ" سورة الحج(46).
لماذا لا يسرحون في ملكوت الله يبحثون عن الجمال ويسألون ويميزون الصواب من الخطأ ليعقلوا بعدها، أليس العقل في اللغة هو الربط للأمر الجلل.
عميت قلوبهم، وعميت بصيرتهم وأصبحت قلوبهم غلف لا تشعر ولا تحس ولا تدرك "لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَّا يُؤْمِنُونَ" البقرة(88). أليس منهم رجل رشيد يعلّمهم الكتاب والحكمة؟؟ "ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا".
أليس فيهم رجل رشيد يرشدهم إلى الجمال في إعمار الأرض وصناعة مفاتيح الحياة لينتصر الجمال على القبح، وتدرك المحبة ذاتها، وما بين ريشها بضع جروح نداويها بكلمة سواء.
أليس بينهم رجل رشيد يدلهم على الميزان ليعطيهم التوازن، ومن ثم التوازن يمنحهم التكامل، لتحقيق نسبة من الكمال تفتح بصيرتهم على الجمال والعيش الجميل، وتنهي الحرب الطاعنة في الأجل؟؟
هلا عرفوا الميزان؟؟؟
وما جاء فيه من آيات محكمات، وحذّرهم ألا تطغوا في الميزان وأقيموا القسط، وحمّلهم مسؤولية القسط.
لماذا لا يتعلمون شيئا جميلا من الحياة غير صناعة الموت، وقتل الأبرياء، والحب الذي يصعد بنا إلى السموات السبع ويوصلنا إلى الجمال، أليس "الله جميل ويحب الجمال"؟
شهداء تلو شهداء حصدتهم لغة الموت في أجمل ساحة بالوطن، فأنّت النواعير على الشهداء والعاصي تدفّق حزينا متألما يشكوهم إلى الله إن عرفوا الله حق المعرفة، وما بقي غير صوت الأطفال الذين رحلت عنهم أمهاتهم، بعد أن تقطعت الأوصال، وانفقأت الأعين، وما بقي من الجرحى جرّوا أذيال الخيبة على أرصفة الشوارع يجترون آلامهم وآمالهم بإنهاء الحرب الطاعنة في الأجل، وهم يرددون بألم:
"حمثُ آرام"
نتوقُ من لظى مآسينا...
أنتِ الحب كم سألوا عنك..
وكم تاهتْ أغانينا؟؟
ناعورةٌ كانت هناك تئنُ...
على نهرٍ عاصٍ والحبُّ يُلهينا...
"أماتي" ..
أنتِ العشق..
والطهارةُ أنتِ ..
فهل تعودُ بـ الحب ليالينا؟؟؟
نزيحُ الوجعَ..
نبلسمُ روحَه.... بـ شفاهٍ ..
لا الساسةُ لمستها...
ولا غراب البيْن بـ الحب يجارينا..
عشقنا الهوى يا ناعورة الهوى...
لـ أجلِ صوتكِ بـ الحب نحيا ويشجينا..
متى التلاقي؟؟؟
متى التلاقي؟؟؟
والخلاصُ من ظلام...
كاد يضنينا..
أنتِ الجمالُ والسحرُ أنتِ..
صوتُ الشهادةِ عبقُ رياحينا...