نَمْ قَريرَ العينِ عُمْدَةَ تَدْمرٍ..
باحثَ الجمالِ الصُّوفي المُتَأَمِّلِ
خمسونَ عامًا تُلامسُ ذراتَها
عروسُ الصحراءِ لن تَذبَلِ
يَدَاه قُدَّتْ من شَوْقٍ وعشقٍ
لتُرابِها صدىً لن ينجلي
نَقَّبَ في ثَراها طويلاً..
بَصَماتُ أنامِلِه شَاهِدةُ المُحَلِّلِ
بفرشاةِ مكياجٍ مَسَحَ ترابها
لِيُظْهِرَ جمالَ الحُسْنِ المُكَلَلِ
حسناءُ تدمرَ لا يضاهي جَمَالُها
نساءُ روما ولا أثينا بأجْمَلِ
طلَّتُها للعالمين بهيةٌ والذهبُ.
طَوَّقَ جِيدها وخلخالٌ بالمفصلِ
عاشَ بين تُراثِها عالمًا
فكرٌ مُدَجَّجٌ بالثقافةِ مُثْقَلِ
إنْ تَحدَّثَ أدْهَشَ طلابَهُ.
عن تاريخِ زنوبيا المُجَلْجِلِ
اسْتَقْبلَ ضيوف العالمين بمحبةٍ.
ونقلَ متحفًا لليابان مُتَفَضِّلِ
تَكَلَّمَ لغاتَ الغَرْبِ بِطلاقةٍ
والآراميةُ على لِسَانِه تَسْتَرْسلِ
تَعَجَّبتْ وفودُ الدنيا من ثَرائِه
لم يروِ عالِمٌ حكايةً بأمْثَلِ
عروسُ الصحراءِ حبيبة ورحه
سكنتْ بالأجفانِ والقَلْبُ بِمِغْزَلِ
كلما جُنَّ الليلِ أرخى سدولَه
تلألأت عروسُ الصَحْراء بِمَحْمَلِ
شهدتْ على عشقه آلهةٌ
حين زارَ الوفدُ معابدَ بَعْلَلِ
لم يفارقها ولم يدر طرفًا
منذ نعومة أحلامِ السموأل
لم تُخِفْهُ جَحَافِلَ "داعش"
ظلَّ صَامِدًا بالسَّاحَاتِ مُجَلْجِلِ
لكن أصابع الغدر نالتْ
من رأسِه العامرِ كي لا يُحَلِلِ
ارتفعَ السيفُ الغادرُ وهوى
جزَّ الرقاب ليَصْمُتَ ويَرْحَلِ
انفصلَ الرأسُ مُتَدَحْرِجًا يعانقُ.
تُرابَ تدمرَ وذراتها يُلَمْلِمِ
علقوه على أعمدة الجمال باسمًا.
لم يدركوا أنَ الروحَ لم تَذْبَلِ
طينُ أصابِعِه شاهدٌ على جرائمِ
"داعشٌ" مرتدي السوادَ مُتَزَّمِلِ
وجهه مُسْوَدًّا كظيمًا ويده.
تحملُ سيفَ الجرائمِ لِيَقْتُلِ.
برقتْ عيناهُ ضاحكةً مستبشرة
جنانُ الخُلْدِ يا خالدَا بمنزلِ
نم قرير العين واسْعَدْ
روحٌ وريْحانٌ في الجنان مُدَلَّلِ
ترابُك سيبقى نديًا عَطِرًا
جمالُ الروحِ والتاريخُ الأطولِ
أبا الوليد تناديك تدمر حزينة
على فراق حبيبٍ أعْزَلِ
خالدٌ لن تنساكَ تدمرا.
صدى صوتُكَ من المعابدِ يَنْزِلِ
رحماكَ ربِّي أودعُ عَالِمًا
اسْتَقْبِلْهُ بِمْحْضِ عفوكَ مُكَلَلِ
فلٌ وياسمينٌ وعِطْرُ دحنون
جثمانكَ الطاهر يفوح مُكَلَلِ
وداعا أبا الوليد بعدَ قرون
دماؤك لتراب من الجنان مُنْزَلِ.