مازال المشهد السوري ينزف شلالات الدماء، والعالم بأسره ينسجُ أكفان المهَجَّرين السوريين من مياه البحر المتوسط الذي أصبح مقبرة جماعية، أو يقف عائقا أمام مسيرته على طريق محفوفة بالأشواك، بنصبه للأسلاك الشائكة كي يموت جوعا أو بردا أو قتلا بالهراوات، لتختلط الدموع بالدماء، على وجوه تعبت من ترحال طويل، وهربت من قتلٍ، وقطع رؤوس، على أيدي إرهاب متعطش للدماء وكأن الإنسان السوري عدوه اللدود منذ أمدٍ بعيد.
إرهاب الألفية الثالثة بوجوه سوداء من جميع دول العالم الذي يمارس العهر السياسي، ويرسل طائرات لمحاربة ذاك الإرهاب تحت اسم التحالف المزيف، لكن ضمنيا هو من صنع ذاك الارهاب الداعشي، ويتاجر به على حساب الشعب السوري والعراقي الذي أجبر الناس على ترك بيوتهم وأرضهم ودارهم، خوفا من إجرام داعش قتلا وتدميرا وسفكا للدماء وسبيا للنساء والأطفال، وحرقا لتراث عمره آلاف السنين، أو للمتاجرة به عن طريق تجار الحروب والآثار ليحظى هذا العالم القذر بحضارات بلاد الشام والعراق وثرواتها بأرخص الأثمان.
عالم بلا إنسانية ولا ضمير ولا قلب حين ابتدع الحرب على العراق تحت اسم أسلحة الدمار الشامل، وتبين فيما بعد أن السيد "بوش وكلبه بلير" ومن لف لفيفهم أخطأوا في حق العراق، بعد قتل وتدمير وتهجير والاستيلاء على أكثر الأراضي العراقية والتراث العراقي من قِبل الكيان الصهيوني، أمام أعين العالم بأسره.
وبعد أن انتهت حرب العراق وسرقة أمواله وثرواته وتهجير شعبه قسريا، كان لابدّ من الالتفات لدولة قوية أخرى في المنطقة لتهجير أهلها وكانت سورية مهد الحضارات، لترقص اسرائيل على دماء الشهداء وتستغل كل الفرص المتاحة لتبقى مغروسة في حلوقنا شوكة سنقتلعها عما قريب بإذن الله.
خمس سنوات وهي تقحم نفسها في الحرب بشتى الوسائل وتتآمر مع حلفائها لإضعاف سورية، تارة من الجهة الجنوبية بحجة الدفاع عن الطائفة الدرزية، والطائفة الدرزية بريئة منها، وتارة أخرى من الجهة الشمالية مع حليفتها تركيا ـ العثمانيون الجدد ـ الذين يحلمون بإعادة أمجادهم القديمة، أمجاد السلطنة العثمانية، تركيا التي بنت المخيمات قبل وقع الحرب، كما البلد العربي الواقع جنوب دمشق والتي كانت تغدق عليه دمشق الماء تحت اسم العروبة، ما خفي أعظم في مخيم الزعتري الذي تم إقامته قبل أن تقوم الحرب على سورية، أهو مخطط عالمي اشتركت به جميع الأطراف العربية والعالمية؟ أم هناك قصة جديدة لحرب تطهير جماعي وتهجير قسري أمام أعين العالم لشعب كان يتمتع بخيرات وطن جميل يعجُّ بالثروات المعدنية والنفطية والغازية والأراضي الخصبة لاقتسام الكعكعة.
الغاز هو النقمة التي جرّت علينا ويلات الحرب بحجة تمريره للست اسرائيل من الأراضي السورية بموافقة جليلة من الدولة العظمى قطر، ومن أجل مشروع السيل الشمالي والسيل الجنوبي أسست موسكو شركة "غاز بروم" في أوائل النصف الأول من تسعينيات القرن العشرين، واللافت أن ألمانيا التي تريد أن تخلع عنها أسوار ما بعد الحرب العالمية الثانية، قد هيأت نفسها لتكون طرفاً وشريكاً لهذا المشروع، إن كان من حيث التأسيس أو من حيث مآل الأنبوب الشمالي أو من حيث مخازن السيل الجنوبي التي تقع في المحيط الجرماني وتحديداً النمسا، ولحقتها فرنسا بأطماع قديمة وهي أحق بخيرات سورية.
ولا يخفى على أحد أن تركيا شعرت بالضياع في هذا الوقت في بحر صراع الغاز طالما أن مشروع نابوكو الأمريكي متأخر,.
ومشروع السيل الشمالي والسيل الجنوبي يستبعدانها، كان عليها أن تكون طرفا بالحرب على سورية لاقتسام الكعكة الغازية، ولحرب الغاز شجون كبيرة، وتفاصيل لامجال لشرحها هنا.
تلك الحرب أرخت بظلالها على وطن الياسمين تحت مسمى الشقاء العربي، لتهجير شعب بأكمله تهجيرا قسريا من جراء حرب طاحنة حرقت البشر والحجر والشجر ولم تف ولم تذر.
العالم تآمر على سورية وشعبها، والعالم اليوم يتباكى على بلغة إنسانية على الشعب السوري، وكيف يبتلعه البحر أو تحتضنه الدول بكل إنسانية على الحدود المجرية حين أعلنت عليهم الضرب المبرح لتسيل دماءهم ومنعتهم من الدخول وما بين الدخول والخروج يولد البعض لاجئا، هناك لاجئة جاءها المخاض فوضعت مولودها في محطة القطار.
تمنعهم من الدخول، وإن دخلوا تمنعهم من الخروج وتضعهم في أقفاص حديدية، إنها الإنسانية المطلقة التي يتمتع بها الغرب على جميع أشكاله.
أنا هنا لست مع أحد ولست ضد أحد، حتى لا يفهمني أحد فهما خاطئا، بل لتبيان ما آل إليه الوضع السيء لشباب ولد على أرض جميلة وغنية بثرواتها، وأُجبر على التهجير من حرب قذرة دارت رحاها لسرقة خيراتها واستبدال شعب حضاري بقوم داعشي وتهجير شعب حضاري ليقطن داعشي وأعوانه بوجهه الأسود المقيت.
تهجير قسري تحت وطأة الإذلال والإهانة لشعب سوري استقبل شعوب الأرض قاطبة في بيوته ومنحهم الأمن والأمان، فاستقبل الشركس عام 1839م، والأرمن عام 1914م، والفلسطيني عام 1948م.
وفي عام 1956م أبان العدوان الثلاثي على مصر قام جول جمال بمواجهة المدمرة الفرنسية بعملية بطولية فدائية شجاعة التي أدت إلى تدمير وإغراق المدمرة الفرنسية (جان بار) وقبل أن يستشهد، رفع البطل السوري جول جمال راية وسمعة البحرية العربية عاليا.
وفي عام 1967م استقبل الفلسطيني، وفي عام 1990م استقبل الكويتي، وفي عام 1996م استقبل اللبناني، وفي عام 2003م استقبل العراقي، وفي عام 2006م استقبل اللبناني، ولم يبني خيمة واحدة لأي شعب عاملهم أهل وأخوة وحضنهم في بيوته.
لكن عندما احتاج لمساعدة، تنكر له العالم العربي والغربي إلا من رحم ربي هي عملية تهجير قسري وكأنني أحضر اليوم هجرة إخواننا الفلسطينيين عام 1948م تحد تهديد السلاح الاسرائيلي والبريطاني لزرع الكيان الصهيوني في قلب العالم العربي لتنهش بدول الجوار، وتنفس حقدها وسمها في أرض الحضارات بدواعشها السوداء.