بين هرجٍ ومرجٍ عالميٍ مقزز في أحداث فرنسا التي وقعت الخميس ليلة الجمعة 13 تشرين الثاني 2015م تراءى أمامي المهزلة الصهيونية 11 أيلول 2001م لدب الرعب في قلوب العرب، ووضعهم في موضع الشك حتى للهواء الذي يدخل رئتيهم ويتنفسون ريح الحياة.
ولم تكن تلك المهزلة بعيدة عن الصهيونية العالمية المدبرة تحت اسم "داعش" الذي صنعوه بفكرهم وأدواتهم، لأنهم يقتلون القتيل ويمشون في جنازته، كمن يبرؤون أنفسهم من دم يوسف، ويخفون ما يخططون لنا نحن السذج.
جريمة يستنكرها بني البشر وتستنكرها الإنسانية جمعاء، ويدينها القاصي والداني، ولا أحد يبررها لشناعتها، لكن السؤال الذي يطرح نفسه كيف فجّر نفسه الإرهابي وبقى جواز سفره السوري واضح المعالم، لا آثار للجريمة عليه، وكيف لعقول متعلمة حضارية أن تصدق ما تعلنه فرنسا، وهل الجواز السوري مقاوم للرصاص والانفجارات؟
كونه صناعة سورية لا يعلو عليها صناعة، لذلك كانت الأطماع الغربية والتركية والصهيوأمريكية في سورية لشن حرب قذرة عليها؟ وأين تكمن الحقيقة العارية من الكذب والافتراء كما في 11 أيلول من عام 2001م عندما وجدوا جواز سفر سعودي بأسفل برج التجارة العالمي ولم يتفتت.
مما ذكرني بقول للكاتب جبران خليل جبران:
"لا يُظهر الحق الذي فيكَ، إلا الألم أو الفرح العظيم، فإذا شئتَ أن تعلنَ حقيقة ذاتكَ وَجَبَ عليك إمَّا أن ترقصَ عاريًا في الشمس، أو أن تحملَ آلامكَ".
خمسُ سنين عجاف ونحن حاملين آلامنا مغمسة بدماء الشهداء، التي روت أرض السلام ولونت مهد الحضارات بدماء نقية، وسالت كشلالات غزيرة أغرقت الحرث والنسل ولم يهتم إليها أحد، وحرائق بشر وحجر وشجر لم يبالي فيها أحد، وكأن العالم كان أبكمًا يمارس عهرًا سياسيًا لا مثيل له، لكنه انتفض فجأة على أحداث فرنسا والتي حصلت في مناطق متعددة منها بالقرب من ستاد فرانس والذي كان يستضيف مباراة ودية بين فرنسا وألمانيا بوجود الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، بالإضافة إلى مجموعة تفجيرات موزعة بعدة مناطق والتي قلبت موازين القوى رأسا على عقب.
خمس سنين عجاف و "داعش" يعيث فسادا في أرضنا ويقتل شبابنا ويسرق أحلامنا ويغتصب نساءنا، ويسيطر على ثرواتنا، وما تبقى من عمرنا القادم ألصقوا فيه اتهامات باطلة لا صحة فيها، اتهامات صهيونية لتقليب المجتمع الدولي علينا، ولاختراع سيناريو يحمل بين طياته قنبلة موقوتة تقضي على سورية والشعب السوري بأكمله وتفتته إربا إربا، كما فعلت بالعراق الحبيب بسيناريو كاذب احتلت أمريكا العراق، فأين هي أسلحة الدمار الشامل أيها المجرم بوش.
خمس سنين عجاف ونحن نصرخ لا للإرهاب، لا للقتل والذبح والتنكيل، لا للهمجية الصهيونية في فلسطين، لا لمسح الذاكرة الحضارية، لا لما تشهده أرض السلام والأنبياء، لكن لا حياة لمن تنادي لأن المخطط الصهيوأمريكي يجب أن يُنفذ بكل حذافيره حتى الرمق الأخير، وحجة لذرِّ الرماد في العيون، وإعلان الحرب الشعواء على سورية بسيناريو يشبه ما حدث في العراق الحضاري، ولم يتضامن معنا أحد، كما تضامن مع فرنسا الدولة العظمى المغتَصِبَة والتي استعمرت ونكلت بشعوب الأرض قاطبة، في أوائل القرن الماضي، وقطعت الرؤوس باستعمارها لبلاد عربية يشهد التاريخ على وحشيتها، وما زالت فلسطين ترزح تحت همجية اسرائيلية بشعة.
لم يمض على التفجيرات أربع وعشرون ساعة إلا والسيد "الفيس بوك" تضامن هو الآخر وأصدر هداياه النفيسة ليتوشح بها القاصي والداني، ويلتحف بها كي تحميه من برد الشتاء القارس هناك، ويتدثر بها كي تؤنس وحدته، بل ويجعلها حرزا تحميه من شياطين الإنس والجن.
طبعا انصاع بعض الأصدقاء لأوامر صهيوأمريكية ظهر من بين ألوان العلم الفرنسي مبتسمًا وجهه، مبتهجةً أوصاله، متناسيًا هويته التي تدل على وطنه وأرضه وتراثه.
لم نرى أحدا وقف وقفة عز إلى جانب فلسطين التي تُقتل كل يوم ألف مرة منذ قرن ونصف، ولم نجد صوتا ارتفع من أجل سورية العظيمة والشعب السوري، سورية مهد الحضارات، ولم نجد من وقف إلى جانب لبنان وهو يودع أحبابه في برج البراجنة من جرائم "داعش" كما وقف العالم إلى جانب فرنسا القاتلة التي هيأت "داعش" مع أخواتها في الاتحاد الأوربي للنيل من سورية الحضارة، لكن حين حصحص الحق، بضاعتهم رُدَّت إليهم.
ما هذا الاستخفاف بالعقل العربي، كلٌ شهر صورته مغلفة بالعلم الفرنسي الذي ارتفع بأكثر من دولة عربية محتلا مغتصبا؟ ما هذا التغييب القاتل للذاكرة العربية؟ إن نسي البعض فهناك من يتذكر ما فعلته فرنسا من اغتصاب وقتل وتدمير وقطع رؤوس ونهب ثروات العباد.
ما إن تنفس الصباح حتى وجدت صوركم يا سادة يا كرام مصبوغة بالعلم الفرنسي، لم أكن أدري أنني أعيش في مجتمع عربي يعشق سياسة القطيع التي تصنع الرعاع!!!! لم أكن أدري أن حادثة فرنسا أسقطت القناع عن بعض الوجوه!!!!
لم أكن أدري أن حزنكم على فرنسا سوف يحفظكم أيها العرب العتاق!!!!
لم أكن أدري أن حزنكم على فرنسا هو من يأخذكم لـ جنةٍ عرضها السموات والأرض!!! وأن فرنسا ستحميكم من كيدها.
لا يظن أحدا أنني عنصرية ولا طائفية ولا مذهبية، ولست مع سياسة الإرهاب، وأمقت القتل والتدمير وقطع الرؤوس، وقلت كلمتي الحق أمام الله ورسوله والمؤمنين، واستنكرت فعلة المجرمين، لكنني لا أمشي بسياسة القطيع، لأن وطني علمني كيف تكون الكرامة والشموخ، وكيف أحافظ على هويتي، وكيف أرفع رأسي مزينا بـ إكليل الغار، وكيف أصيغ عقدي من زهر الياسمين، وكيف أكون من شآم قاسيون لا تهزني رياح عاتية، ولا رياح سمهج تجعلني أطأطئ الرأس، ولو قُطعت الرقاب.
من شآم قاسيون أنا
لا الريح تثنيني وإن حرقت الحرب الدار
من شآم قاسيون أنا
سأظلُ أحاربُ الغدرَ وأطفئ النار...
من شآم قاسيون أنا
في جدارِ غربتي حفرتُ اسمَ الوطن
ورسمتُ على خاصرته عنوانَ الأحرار
من شآم قاسيون أنا
ياسمينةٌ مزهرة مخضرةُ الأشجار
في صدري ثقبٌ من غدرٍ
لا يلئمه إلا قمح الديار وعشق الديار .