في الطب، هناك حالة معينة أثارت إهتمامي منذ أن سمعتُ بها من أحد أصدقائي الأطباء، وهي عندما يتم تطبيق نفس العلاج أحياناً على شخصين لديهما نفس المرض، أحدهما يتماثل للشفاء، والأخر لا تتغير حالته، أو ربما تسوء!
هذا المثال يقودنا الى البحث عن المتغيرات الأخرى التي تخص الشخصين ذاتهما، وليس العلاج. وفي سياق المقارنة لا التشبيه، وجدتُ في عالمنا هذا بعض المجتمعات لا تستطيع أن تتقبل التغيير الإيجابي بسهولة. فهناك بعض الشعوب حتى لو منحتها حرية كاملة وديمقراطية مطلقة تجدها تغرق في بحر الدمار والصراعات ومن الممكن أن تذوب في حربٍ أهلية طاحنة.
فسألتُ نفسي قائلاً: هل يا ترى هذه الشعوب لا ترغب بالتغيير الإيجابي؟
(لطفاً ملاحظة إن هذا المثال هو مجرد سرد جدلي، ولكني لن أستخدمه في محاور هذا المقال ذات العلاقة بالتغيير الإيجابي لكي نبتعد عن المناحي السياسية في هذا الإطار).
من هنا تولدت لي الرغبة في دراسة العلوم الاجتماعية (المجتمعية) والتي تسمى بالانكليزية Social Sciences رغبة مني في دراسة وتحليل الافكار والسلوكيات الخاصة بالمجتمعات المتنوعة في انحاء العالم.. وتبين لي بأن بعض العوامل الرئيسية التي تحدد هذه السلوكيات هي:
- التربية (عامل أخلاقي)
- الثقافات المتوارثة (عامل تعليمي - أخلاقي)
- الظروف السابقة (عامل بيئي)
- الظروف الراهنة (عامل بيئي)
- موروثات جينية (عامل وراثي)
- الدراسة والتوعية (عامل تعليمي)
- القوانين وسياسة الدولة الداخلية (عامل بيئي)
- الأنفتاح والحرية والتجارب الفريدة (عامل تعليمي - بيئي)
وغيرها من العوامل التي لربما تحمل تأثيرات مختلفة على حسب المجتمع قيد الدراسة. عموماً، ولكي لا ندخل في مجال البحوث بصفة علمية، دعونا ننظر الى هذا الموضوع من وجهة النظر الاجتماعية البحتة، مركزين على الافراد.
لكي يحدث التغيير، فنحن بحاجة الى: المرونة في طريقة التفكير هناك مقولة رائعة لـ "مارك توين" وهي: إذا فعلت ما كنت تفعله دوماً، فستحصل على ما تحصل عليه دائما".
وإذا كنت مقتنعاً بأن 2 + 2 يساوي 4 ولاشئ عدا ذلك فلن تحصل على إجابة مختلفة مهما أعدت سرد هذه المعادلة. ولكن ماذا لو غيرت طريقة تفكيرك وحصلت على الناتج نفسه؟
7 – 3 = 4، 1 + 3 = 4، 2 * 2 = 4 ، 8 / 2 = 4
وماذا لو غيرت الأرقام لكي تحصل على نتائج مختلفة؟ إذن التغيير مقترن بمرونتنا في طريقة تفكيرنا الى حد ما.
الايجابية
مهما أختلفتم معي في هذا المجال (وهذا ما احترمه)، إلا إني أميل الى مبدأ ينص على إننا كائنات تمتلك طاقة معينة وتتأثر بالطاقات التي هي من حولها.
سأسرد لكم واقعة حقيقة حدثت معي قبل فترة زمنية معينة، كنت فيها على وشك البدء بمشروع مهم مع أفراد أظهروا كفاءة عالية في الانتاج. وكنتُ مفعماً بالطاقة الإيجابية لدفع هذا المشروع نحو النجاح. وبشكل مفاجئ استلمت مكالمة هاتفية من أحد معارفي يحذرني من التعامل مع فلان وعلان وبأنهم غير أهلٌ للثقة.
هنا تأثرت طاقتي الإيجابية بالطاقة السلبية التي أقتحمت مجال الأداء.
فكان أمامي ثلاثة أختيارات:
الاختيار المتهور- التأثر بهذا التحذير والتوقف فوراً عن العمل مع هؤلاء الأفراد (وهنا قد أكون غير منصفاً معهم لأنني لم أتأكد من مصداقية ما سمعت).
الأختيار الغير رشيد- عدم الأخذ بالنصيحة وإعطاء ثقة كاملة لهؤلاء الأفراد (وهنا قد أجني على نفسي فيما لو كانت أخلاقيات هؤلاء الأفراد متدنية مثلما سمعت).
الأختيار الرشيد- استمرار التعامل مع هؤلاء الأفراد مع توقي الحذر ومنحهم فرصة لإثبات كفاءتهم، فالأيام أحياناً قد تكون كفيلة بكشف الحقائق وإثبات صحة الأمور.
ولكن، لو سمعت نفس الكلام عن هؤلاء الأفراد من 3 أشخاص مقربين، حينها الأمور ستكون مختلفة. عموماً، هذا الموضوع نسبي ولا يوجد قاعدة ذهبية للتعامل معه، ولكنه يشير بشكل أو بآخر الى إن الطاقات الكامنة في ذواتنا تتأثر بما هو حولها.. هل هذا صحيح أو لا؟
المسؤولية
عندما نقدم على أتخاذ قرارات معينة لها علاقة بسلوكياتنا علينا أن نأخذ على عاتقنا مسؤولية توابعها. ولكن هناك بعض الأفراد ممن لا يعطون آرائهم بأي شئ، ولكنهم ينتظرون النتائج، فإذا نجح موضوع ما تراهم ينسبون النجاح الى أنفسهم، وإذا فشل الموضوع يقولون "ليس لنا علاقة".
هؤلاء هم الطفيليون، الغير قادرين على مواجهة الحياة وقراراتها أو ما يسمون بالوسطيون.. وهم من أصعب الأفراد من ناحية التغيير. بينما الأشخاص الإيجابيون، يفكرون، يحاولون، ويقدمون على التنفيذ لكي يحدث التغيير من خلالهم.. وهم قادرون على تحمل مسؤولية خطواتهم في مجتمعهم. كما وهناك العديد من المحاور التي لربما سنتطرق إليها في مقالات لاحقة آملين أن تكون ومضة لحث البعض على التفكير، والمحاولة للتغير نحو الأفضل. فالتغيير المجتمعي لا يحدث إلا من خلال تغيير الأفراد لطريقة تعاطيهم مع بعض الأمور التي تستوجب التغيير.