كثيرة هي الثورات التي قرأنا عنها في كتب التاريخ، ومنها اضمحلت ولم يرد ذكرها الا بصورة عابرة، واخرى تركت اثرا كبيرا في نفوسنا لأنها كانت ضد الظلم واستبداد الطغاة آنذاك ورغبة قياديها في تحقيق الحرية والخلاص من تعسف الطغاة وقساوتهم ومن اجل تحقيق حياة حرة كريمة تليق بالشعوب الكادحة المحبة للحياة.
الا ثورة الحسين التي اخترقت كل المديات والازمان لتصبح ثورة دائمة التجدد والاستمرار في الروحية التي ننهل منها كل الدروس والعبر. فثورة الحسين نبراسا لكل ثورة اتت بعدها والتي ستاتي في المستقبل، هذه الثورة العريقة التي استحضر فيها الحسين الامتداد الثوري والرسالي لنهج الرسول محمد" صلى الله عليه واله وسلم" الذي حاول بني امية تحريفه وسلب الامة لارادتها وكيانها وجعل الناس يرضخون للظلم والاستبداد لسياساتها المشبوهه والمسيئة للاسلام والمسلمين.
فالعاشر من محرم الحرام سنة 61 للهجرة يوم ارتوت به الارض بالدماء الطاهره الزكية، فقد ضحى الحسين واهله واصحابة لاعلاء الحق وازهاق الباطل من اجل رد الهيبة لامة المسلمين الذين عانوا القهر والاستبداد من حكم يزيد الاموي الذي عاث بالارض فسادا ولهوا غامرين انفسهم بالملذات وحفلات الخمر والرقص والمجون وانتهاك الحرمات والفقر والعوز والحرمان التي تنافي ما جاء به دين الله الحنيف وخرقا لكل تعاليم الدين الاسلامي، فما كان امام الحسين الا ذلك الحق والواجب التاريخي لانقاذ الناس والخلاص من ظلم الظالمين ومن اجل استقامة الامة التي تردت اوضاعها واستكمالا لنهج رسولنا الاكرم وتحقيقا للعدل والمساواة وخلق مفاهيم الشعور بالعزة والكرامة لدى المسلمين فكانت الثورة الكبرى لمواجهة الانحراف والطغيان واعادة الامة الى المنهج الصحيح.
لقد ادرك الامام الحسين "عليه السلام" بان استنهاض الهمم والعزم هو السبيل الوحيد ﻻيقاظ الامة من سباتها وتحفيزها ضد بني امية الذين استرخصوا الابرياء وعاثوا بالارض فسادا وطغيانا. فكان من الطبيعي للامام الحسين ان يسير في طريق التضحية والفداء وهذا سلوك انساني عظيم وفريد طالما نفسه ابية ترفض الخنوع والخذلان وهو على استعداد تام في بذل الروح العزيزة فداءا للحق ورفضا للطغيان والمهادنة والعيش بذل وهوان. لقد كانت معركة الطف رغم قلة عديد الجيش بالمقارنة مع جيش الغدر جيش معاوية الذي تجرد من معاني الانسانية وارتكبوا ابشع الجرائم ضد اهل البيت ولم يسلم منهم حتى الطفل الرضيع وقد قطعوا اوصال الشهداء وحرموا العيال والنساء من شرب الماء، نبراسا لكل ثائر غيور يستلهم معاني السمو والرفعة لخير وصلاح الامة.
مئات السنين مرت على معركة الطف وكل يوم وكل عاشورا تتجدد بروحية عالية ولها افاق تغوص بالعمق والبعد والتاثير على العالم اجمع، واصبحت بمبادئها ومنهجيتها شعلة يستنير بها احرار العالم والثوريون في كل مكان فالمهاتما غاندي اطلق مقولته المشهورة (تعلمت من الامام الحسين ان اكون مظلوما فانتصر) وهذا ما اعتمده في نضاله المرير ضد الانكليز لسنوات طوال نتج عن كفاحه الطويل استقلال الهند، والزعيم الصيني (ماو) الذي قال ايضا في مقولة مشهورة له (اني قرات ملحمة كربلاء والامام الحسين فقد اوصلت شعبي الى النصر) اما الامبرطور الفرنسي نابليون بونابرت (فقد تمنى على اخيه ان لايتركه وحيدا في ارض المعركة وان يكون كالعباس بن ابي طالب الذي رفض ان يغادر ارض كربلاء والموت بين يدي اخيه الحسين)، واليوم ما احوجنا اليك يا حسين لتكون منقذا لامة المسلمين وﻻنقاذ الانسانية الحرة من الظلم والقهر وارجاع هيبة المظلومين في ارض العراق.
وتبقى واقعة كربلاء شعلة وضاءه وملحة ازلية باقية ابد الدهر تأطرت بدماء سيد شهداء اهل الجنة وسيظل شذاها خالدا في ضمائر ونفوس الاحرار في الارض الذين يبذلون الغالي والنفيس من اجل الحرية والكرامة فما كانت ملحمة الحسين بن علي الا ثورة لكل العصور.