كأن الروس في راهنهم أكثر رشاقة فهم يبدون وكأنهم تخلصوا من هيكل الاتحاد الحديدي وما يحتاجه هذا الهيكل من صيانة وترميم فاستبدلوا حديده الثقيل بطاقة اللغة ودلالاتها التي تتفوق في صنع القناعات على الحديد، والمراقب يدرك بأن الجمل المنطوقة في هذا الصراع وأقصد الروسية تأتي قصيرة بدلالات عالية فحين سألوا بوتين عن سبب قصفه لداعش والمعارضة المعتدلة معاً قال بيسر "كلهم ارهابيون" وفي التفاصيل أن صفة الاعتدال هنا تتمثل بتهديد الوجود الروسي في البحر الأبيض المتوسط والمؤمن لا يُلدغ من جحر مرتين كما يقول العرب، ولذلك أيضاً عمد بوتين إلى سن قانون يتعلق بالإرهابيين محملاً العائلة والأقارب مسؤولية إخفاء المعلومات المتعلقة بالإرهابي فأكد القانون الجديد على تحميل كل هؤلاء الخسائر البشرية والمعنوية، فقال المحايدون من المراقبين هكذا يتم تنشيف منابع الإرهاب .
وبعد تمثيلية القصف الصاروخي الأمريكي لسوريا، لم يتوان الروس في فضح تفاصيل العملية كما لم يتوانوا عن إعلان معرفتهم بنية أمريكية بقصف ريف دمشق وأخبروا العالم بأن سوريا هذه المرة قادرة على ردع أي هجوم أمريكي وهذه رسالة واضحة تجعل الأميركيين يفكرون ألف مرة قبل تحريك أي بيدق على رقعة الشطرنج، وهكذا بدأ المراقبون بتثبيت ملامح الحرب الباردة الجديدة والتي تختلف آلياتها عن الحرب السابقة فجغرافيتها تختلف وكذلك الاحتمال الكبير في دخول الشرق إليها كقطب ثالث عبر الصين أو الهند، وهناك سعي أمريكي لجعل الصين داخل القطب الأمريكي من خلال تصعيد النزاع بين الصين وروسيا على خلفية الأراضي الصينية المختلف عليها مع الروس والتي يسيطرون عليها وقضية الأرض عند الصينيين قضية استراتيجية وحساسة لجهة كثافتهم البشرية، ولكن مهما بلغ الخلاف الصيني مع الروس لا يمكن أن يقود الصين في نهوضها الراهن إلى القطب الأمريكي وكذلك الهند التي ترتبط مع الروس بعلاقات فوق اعتيادية .
حرب باردة بتفاصيل ساخنة في سوريا والعراق وشديدة الإثارة في كوريا بخطيها الشمال والجنوب، في سوريا بدأ ما يشبه الإعلان عن هذه الحرب وستصبح سوريا الخط الأحمر الذي لا يتزحزح عنه الدب الروسي والعراق ستبدأ التصفيات فيه، المعلومات التي يتم تسريبها تقول بأن الأيام التسعين القادمات فيهما الكثير من الحسم المتعلق بالتمدد الايراني في العراق وهو تمدد صار صارخاً إلى الدرجة التي تجرأ فيها نائب كويتي فقال حدودنا الراهنة مع إيران فالعراق لا وجود له، على سوء هذا التصريح ففيه الكثير من الذي يدور في طهران وواشنطن وموسكو مطبخها لا يعرف الهدوء..