قام المشروع القومي العربي على إلغاء الهويات، فصار التأسيس الثقافي يبنى على طمر هويات الحواضن التي وصل إليها العرب في فتوحاتهم الإسلامية، فغابت عن المشهد السومرية والبابلية والآشورية، وكذلك الفرعونية والفينيقية، فصار الخطاب يتوجه إلى الفاتحين الذين استوطنوا الحواضن.
فحين يقول يا أهل العراق يقصد العرب الذين وطنهم الفتح في العراق، وحين يقول يا أهل مصر يقصد العرب الذين وطنهم الفتح في ايجبت أو القبط وهكذا صيدون وزغرتا وسائر الحواضن، وهكذا بالتدريج ما كنا نسمع أو نقرأ عن الأمازيغ أو الآشوريين أو القبط إلا ما تسلل خلسة من بين أذرع المشروع القومي العربي.
ولأن الهويات لا يمكن طمرها كلياً فقد عادت هذه الهويات تريد انبعاثها من جديد حين أحست بنهاية المشروع القومي العربي الذي تأسس على الإلغاء فحفر قبره بيديه، فانكفأ ورثته وعادوا إلى جذورهم مؤسسين هذه المرة مشروعاً يستند إلى مذهبية قومية تقودها وهابية تُغير باليد وتستمد شرعية هذا التغيير من السنة النبوية (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده).
المشروع الثاني نشأ في أيران وتأسس على قومية مذهبية أيضاً ورأسماله التاريخي هو الظلم الذي وقع على آل البيت وحواضن هذا البيت، العراق ولبنان وسوريا واليمن وما استطاع الدعويون الوصول إليه، وحتماً سيحصل التصادم بين المشروعين وأبرز الضحايا العراق، كان أمل المثقفين العراقيين رغم اهتزازهم يتمثل بعد الخلاص من الدكتاتورية الالتفات إلى هويتهم المطمورة تحت التراكمات، لكن ذلك لم يحصل فالدولة الأقوى في العالم والتي أسقطت الدكتاتورية لا تريد للهوية العراقية الأم بالظهور، فسمحت للمشروعين الوهابي ومذهبيته القومية بالتمدد في المناطق المؤهلة مذهبياً لأستقباله، وهكذا أيضاً تم السماح للمشروع الفارسي ومذهبيته بالانتشار السريع في المناطق المؤهلة لاستقباله.
هذه التفاصيل زادت من طمر الهوية العراقية واختزلت تاريخ العراق الذي يمتد إلى آلاف السنين كي يبدأ مع الوهابيين من السنة النبوية والصحابة، ومع الفرس يبدأ من مقتل الحسين والسبي القاسي لعائلته على يد الأمويين العرب، وبين التاريخين تتنفس الحرائق القومية بين العرب والفرس والذي كما يقول المشهد أن وقودها هذا العراقي التائه في صراع لا ناقة له فيه ولا جمل.
هل ستستمر أمريكا على حالها إذا ما حدث طوفان خارج توقعات غرف درايتها ؟؟