صباح الخير يا مدينة يبث تواضعها للوافدين الطمأنينة، ويزرع في نفوس المقيمين الأمان، ويعلق على قمصان المغادرين دمعة تسيل وتتحجر، تداخل التصوف مع سلوك سكانك فانطلقت تطلعاتهم الناطقة تملأ المقاهي ودور العبادة والحانات، تتعانق في المدارس والجامعات، وحيث يزدحم العطر على ثياب الصبايا يعلن البحر بهجته من غير ستائر، فنحتفل فيك يا مدينة من زرع وماء..
المدن مثل النساء لا يمكنك كشف أسرارها من أول إطلالة عليها فحين تهبط في مطار هيثرو اللندني لا يمكنك معاينة تلك الجسور التي عبرت عليها خيول التاريخ، ومن التسكع في شوارعها تتجمع في ذهنك لغة انكليزية أنيقة فتستعيد ذاكرتك مقاطع من " اليوت".
وإذا حدث ومضيت في تسكعك إلى دبلن وبلفاست ستعثر على تلك التفاصيل التي جعلت من الآيرش لا يكلون من التجديد وإن أصابتهم أكبر الخسارات وكم سيذهلك تدفق كرمهم الذي لا يعرف التوقف وثقافتهم الخالية من الأقنعة..
بعض المدن تحتاج لكشف أعماقها إلى متسع من الوقت كالقاهرة ففيها الكثير من الأقنعة التي ستواجهك من المطار إلى وسط البلد وميدان التحرير والعتبة، في مطار القاهرة أصحاب سيارات التكسي قد يدفعونك إلى الأشفاق عليهم أو الحنق الذي يجعلك تفكر بالعودة من حيث أتيت، فأسلوبهم في كسب الزبائن لا يخفي الاحتيال والغش والكذب، هذه الصفات التي ستتلاشى وأنت تتجول في القاهرة وتفرش على أرصفتها أوراق نجيب محفوظ وتمرد أمل دنقل..
مطار القاهرة وأصحاب التكسي فيه يتوحد في إنعدام السلوك الحضاري مع مطارات مانيلا والمكسيك وأندونيسيا بمطاريها الرئيسين مطار بالي وجاكرتا حيث ستتحول إلى طريدة، حشد من سائقي التكسي يتنافس من أجل الفوز بك، هذه الظاهرة السيئة تختفي في مطار جوك جاكرتا، وهو مطار محلي ببعض الملامح العالمية، ومن السلوك الطيب في مدخل المدينة إلى وسط المدينة التي تنتشر فيها أكثر من مائة جامعة ومعهد وصولاً إلى البحر ستحيطك البساطة ويسكنك الأمان في مدينة تتميز بتكافلها الاجتماعي الذي يمنع الفقر من التمدد ويسمح للتطلعات بالنطق..
صباح الخير جوك جاكارتا ولكل مواطن فيك هيبة الحب التي يسمو بها التواضع وتزدهر فيه ابتسامات الطفولة الذاهبة إلى المدارس.