حدث ان هبطت ثروة على شاعرنا الفريد حسين مردان وكان مقدارها خمسة دنانير عراقية حمراء يجمح على مساحتها حصان، وكان شاعرنا يحلم بزيارة اسطنبول فتبرع أحد الأصدقاء بتذكرة الباص الذاهب إلى اسطنبول وهكذا أصبح حلم الشاعر حقيقة، وقدم صديق آخر حقيبة "جنطة" منهكة القوى فلطالما تحولت إلى وسادة في ليل بغداد وعلى أرصفتها فأكل جلدها الكونكريت، تقبلها أبو علي ووضع لوازمه فيها، دشداشة ونعال وكتاب قوت الأرض للفرنسي "اندريه جيد" هذا كل ما لديه والدنانير في الجيب. وبعد رحلة طويلة وصل الباص إلى جزيرة مرمرة في اسطنبول وهي مقصد العراقيين، فتبع حسين المسافرين الذين اختاروا فندق مرمرة للأقامة، وكان إلى جانب الفندق مطعم مرمرة وإلى جانبه بار مرمرة وهذه بالنسبة لشاعرنا جنة بمقاييس أرضية، فصار يغوص في البار ويتغذى في المطعم إن تذكر ذلك ويعود إلى قوت الأرض ليقرأ وينام، ومرت الأيام مرور النهر على زرع يتيم، فأزدهرت صداقات حسين وصارت تحيطه مجموعة من المستمعين تلتقط من ذهبه النادر ما أمكن. في اليوم السادس وبينما كان شاعرنا يشرب ويتحدث إلى جلاسه، حصلت كارثة إذ شب حريق في فندق مرمرة، فهرع الجميع باستثناء شاعرنا الذي تكاثف الحزن في نفسه وهو يردد "لماذا تلاحقني اللعنات؟"
تم إطفاء الحريق وأخبرت إدارة الفندق النزلاء أن بأمكانهم النوم في الفندق المجاور وكانت المفاجأة حين أعلنت إدارة الفندق بأنها ستعوض كل حقيبة بخمسين دينار عراقي، وهنا انتعشت آمال صاحبنا الذي وصل إلى هذه الجنة بخمسة دنانير فإلى أي كوكب سيحلق بالخمسين؟ في اليوم التالي وحسين لم ينم طبعاً، طلبوا من النزلاء الوقوف بالطابور "بالدور" وحين يصل دور النزيل يتم التأكد من اسمه ويمنحوه التعويض، شاعرنا يقف بالدور وبعد دقيقة يهرسه الملل فيذهب إلى البار وجن جنونه حين أدرك أن دنانيره قد نفدت، فراح يستدين من النزلاء الذين ينادونه "أيها الشاعر" يستدين بقوة فسيقبض الخمسين بعد حين، نجح في ذلك وصار تارة في البار وتارة في الدور، وقرابة الوصول إلى منصة القبض صاح مدير الفندق وهو يحمل حقيبة منهكة، لمن هذه الحقيبة؟
فرفع أبو علي يده وقال_ أنها حقيبتي_ ناولوه الحقيبة الوحيدة التي لم يمسها الحريق، تطلع شاعرنا بالواقفين وفتح الحقيبة وأخرج كتاب قوت الأرض ورفعه وهو يقول_ هذا سر عدم احتراق الحقيبة_ وهنا دشن المرحلة السحرية في زيارته لإسطنبول..