في بداية الثمانينات وفي بيروت أصدرنا مجلة الرصيف لكشف ما آلت إليه الثقافة العربية بشقيها الثوري والحكومي، ولاقت المجلة ترحيباً فوصفها النقاد بمجلة المهمشين وكتب الشاعر الرائد فؤاد رفقة يصفها بمجلة العصب الحي، بالمقابل غضب الثوريون منها لأنها تسمي الثورة "ثروة" فكان خطاب ياسر عرفات الشهير" يبتوع الرصيف اللي قاتلوا بقلعة شقيف مجوش من رصيفكم" ومرت السنوات كبعير يقدم استقالته للرمل، وفي عمان عاصمة للثقافة العربية، بداية الألفين أصدرتُ عدداً مزدوجاً يحمل أسم الرصيف ومجلة جسور وكتبت الافتتاحية تحت عنوان "شعوب على الرصيف" فقد رأيت أن الزحمة والتدافع على الرصيف كونه لم يعد مأوى المثقفين المهمشين فحسب بل تدفقت الشعوب العربية المغلوبة على أمرها إلى الرصيف، وأصبحت الثورية عبارة عن مكاتب ارتباط بهذه المخابرات أو تلك..
لم يتأثر مفهوم السلطة بهذا الأمر ولم يهتز مفهوم المعارضة، السلطة تيقنت من نفوذها الذي أزاح الشعب إلى الرصيف، والمعارضة وضعت كل بيضها في مكاتب الارتباط، لكن الثقافة أصابها الهزال جراء ذلك فقد إنتشر الغباء القيري وصار المثقفون يتنفسون غبار العامية وصار الشعر ممارسة عامة، وحين يتم استسهال الشعر فهذا يعني وجود عوق ذهني عند الأمة وهذا ما شخصه الكبير أودنيس حين صرخ بكثرة الشعراء واسترخاص الصفة بأن هذه الأمة ذاهبة إلى التفسخ والانحلال..
وجاءت التحولاتً، فضاق الرصيف بالشعوب التي فصلت بين الخبز والكرامة، بين الوطن والمواطنة، فهمشت مثقفيها وسخرت من علمائها وأسلمت نفسها لتحولات لم تكن من صنعها ومثلما لبست ثيابا ليست من صنعها وأكلت طعاماً ليس من زرعها حصدت نتائج تحولات ليست من صنعها، تحولات جاءت للعراقيين باللصوص يقيمون الولائم لثورة الحسين والشعب يلطم ويأكل ما توفر من طعام مسروق من مالهم العام، لطموا على الحسين وما كان الحسين بحاجة إلى لطمهم ، كان يريدهم أن لا يفصلوا بين الخبز والكرامة بل أن يفصلوا بين الظالم والمظلوم وأن يقولوا لا للفساد، لم يفعلوا كل ذلك، بل عمدوا إلى تضبيب الفساد باللطم فما كان لهم غير الرصيف الذي ضاق بهم فاتجهوا نحو الحدود، وبتفاصيل تختلف هكذا كان حال الشعوب في سورية واليمن والسودان ووو..
هذا هو التطور التاريخي، مثقف على الرصيف ثم شعوب على الرصيف ثم شعوب على الحدود، اليس من حقنا أن نجن ؟؟