حزينة تمر هذه الأيام تزحف بدقائق ثقيلة لاتصل ثوانيها إلى نهاياتها إلا بوجبة عاتية من ركض الذاكرة العراقية في شتى الاتجاهات ، فقد تبين لنا وبصورة لا تقبل الشك بأننا ولعقود مضت كنا نتوهم وما كنا في حلم.
للحلم أسس في واقعية مقروءة بشكل جيد من قبل الحالم، وما كنا نحلم فلا أساس لحلمنا وقد كانت معارضة الدكتاتورية بائسة وبلا خطاب كل ما تطمح إليه قيادتها أن تكون مقبولة من هذا الطرف أو ذاك لتتقاضى ثمن ذلك دراهم يهوذا ويكون الوطن هو المسيح الجديد.
كنا نتوهم بأننا سنبني وطناً جديداً على أنقاض الدكتاتورية ينبت الشعر على سفوح جباله وتزين الدبكات الكردية والآشورية والتركمانية.. و..و تعرج الطرقات وتموج الرغبات الانسانية الحالمة.
كنا نتوهم بأن كلكامش سيستعيد حلمه بالخلود فيقوم بتعليم فتية الأهوار والصبايا كيفية الانتقال إلى الواقعيات الجديدة ويفسر لهم أسرار خوفه من بدو الصحراء وبدو الجبال..
حزينة تمر هذه الأيام تُثقل دقائقها الرمال، وليس سهلاً على من يتنفس هذه الدقائق الهرب من ذاكرة تصر على الجريان في دماغ مواطن شاءت انكسارات الحلم وتشظيه أن تحوله إلى كائن يُذكر بالإنسان وما هو بإنسان فلم يسبق للإنسان اجترار العواطف وإظهارها وقت الحاجة فقط من أجل خلاص فردي ضئيل وليس ذلك الخلاص الفردي النبيل حيث الفرد ساعة الجماعة وجرس انسانيتها الذي يقرع لتحولات جديرة بالفرح وليس مهرجانات تباع فيها بطولة الشهداء بصحن هريسة ويتم فيها تتويج الأغبياء ملوكاً على غالبية مصابة بالبله ولا تعرف من تطيع.
حزينة تمر هذه الأيام كأن الدقائق فيها أصابها عوق عراقي بليغ، أراها وهي تمر ثقيلة على السرير فتحرضه بالضد مني فيعلن عجزه عن قبولي لهول ما أثقلته بتذكر وطن ميت وشعب لا يقوى على محادثة ساقية صغيرة من سواقي التاريخ.
كأن هذا السرير صار منفى، وصار له الحق برفض لجوئي إليه، كأن ساعة الحائط تحولت إلى سفينة كونية كسفينة نوح
قبلت كل من لجأ إليها إلا أنا وهذا العراق!