أنا ذاهب إلى أمسي فلا عدل يُرتجى من رأسمالية تأخذ حياتنا بالجملة وتبيعنا إياها بالمفرد، واللغة القديمة أعلنت استقالتها على طريق موحلة تاركة مصائر الناس في ساعة لا تدور عقاربها إلا في بيت الرب أمريكا صانعة الجذام والندم، فايروس الخراب وحشرة الكراهية..
أنا عائد إلى أمسي فهذه بيروت تحرسها آلهة تتقدمها فيروز إذ تتمايل الكواكب مثل أطفال العيد على ذبذبات صوتها وتعود للنمر الجريح أنفاسه فيصفق الشعراء لخطوه على لسان البحر وتعود لحصان شوقي أبو شفرا الحياة فيحمل الفتية دلاء الماء إليه وشوقي يوزع الحلوى وفؤاد رفقة يفتح بابه على مصراعيه لمشرد الشعر..
هذه بيروت لا تنام من غير خلق جديد وحيدر صالح يخط عنواناً لكتاب المستقبل" غراب على المغسلة" وأوزدمير الضائع في اسطنبول يبيع الشاي المُهرب ويرسل الأرباح إلى بيروت لنشتري قاطرة من الخمور والنايفر المقدس وآدم حاتم يبتهج فقد عثر على نسخة من طريق النجوم الذي خطه تريستان تزارا والأحد غطاء ثقيل على غليان الدم وما من كنيسة تقرع أجراسها بسبب غير كنيسة عادل فاخوري إذ يختلط الله فيها بالشعراء وعادل يصرخ.. هذا نصف الليل قوموا.. أنا ذاهب إلى أمسي كم الساعة الآن ..
القاهرة تصلي بتوقيتين وعلى قبلتين، قبلة الأخوان وقبلة العسكر وصلاح عبد الصبور سافر في الليل تاركاً يتيمتيه أمانة عند مواطني حانة لا تنام.. الأنبياء لا يورثون والمبدعون أيضاً، هكذا مات نجيب محفوظ وفي اللحظة الأخيرة يدس أمل دنقل ورقة صغيرة في جيب ياسر عرفات كتب عليها "لا تصالح" وعبد المعطي حجازي يراقب المشهد ويبكي حظه العاثر بين زمانين.. أنا ذاهب إلى أمسي حيث يوسف وهيب يتغنى بسعاد حسني وفتحي عبدالله يكنس من غير أمل ورق الخريف من مخيلته ومحمد هاشم يلف الحشيش والثورة في سيكارة واحدة.. أنا ذاهب إلى أمسي وقد علقت قصيدتي "أحمد زكي" في الغوريون بحراسة سهيل العاني واليوم يقال أنه يوم الجمعة وهناك دعوة للإضراب عن الصلاة.