السفر في الصيف هروب، لكنه في الشتاء نوع من التحدي المفعم باللذة.
هو يختلف مع المواسم التي تتحرك بنا وتأخذنا إليها ومعها وعندها، وتلاقينا مثل النساء العاشقات المفتونات بالمضاجعة، أو بالرغبة الحارقة، فالناس يحبون ما يسليهم عن العذاب، والذين يعيشون ففي الصحراء يستهويهم اللون الأخضر، بينما يلاحقهم اللون الأبيض لأن الأخضر يذكرهم بالخضرة والشجر والنجيل، بينما الأبيض فيدفع عنهم حرارة الشمس وهي تكوي أجسادهم، وتشتعل بها أراضيهم، ويسألني صديق عن سر إستخدام الهولنديين للون البرتقالي في علمهم وفي ثيابهم وهو لون مميز عندهم بالفعل، ففكرت قليلا وقلت، لعلهم يبحثون عن الدفء فهم أبناء البلاد الباردة واللون البرتقالي حار للغاية، وربما كان يبعث الدفء في نفوسهم، فاللون هو أيضا إنعكاس لحاجة النفس.
يهرب أهل المناطق الحارة الى المناطق الباردة في الصيف تخلصا من درجات الحرارة المرتفعة، ويفعل ذلك العرب عادة في الخليج والعراق الذين يلهب ظهورهم الصيف.
ومنهم من يعاني من مشاكل نفسية بسبب الأزمات الإقتصادية والأمنية الخانقة التي تنعكس على الحياة العامة، وتجعل الإضطراب في النفس وفي الرأس الذي يتعكر ويتفكر بطريقة للهروب فيهرب.
ولعل موجة الهجرة التي إندفعت من العراق بإتجاه تركيا ومنها الى أوربا تمثل برهانا على الحال الذي وصلنا إليه خلال الفترة الحارة الماضية.
وفي أشهر الصيف تلك التي إنقضت حيث أعلن ملايين الناس رغبتهم بالهجرة مع إرتفاع درجات الحرارة ولكن رغبتهم خفت مع الإنخفاض الحاد خلال الأسابيع التالية.
هناك من ينظر بطريقة مختلفة لمعادلة الصيف والشتاء، فهو لايجد مسرة في السفر صيفا حيث يتوحد العالم في المعاناة مع إن البلاد المقصودة تكون أقل حرارة من نظيرتها في الخليج والعراق.
فيكون السفر نوعا من الهروب من الحر، لكن السفر في الشتاء له طعم مختلف فهو نوع من التحدي الصاخب، فليس من مسافرين كثر، وتكاد تجد نفسك وحيدا متجها الى بلاد باردة فيها قمم عالية وثلوج تغطيها مثل ثوب عرس منسدل يصل من كتفي العروس الى الأرض وتجد الناس معتكفين، أو لاهين بأشغالهم.
وتستطيع أن تكتشف بطريقة رائقة ماحولك من أشياء، ففي الصيف تشعر إن الكل يشاركك في السفر والتنقل والطعام والشراب والسكن ولايوجد تحد فأنت مهزوم، بينما في الشتاء فأنت مغرم بأداء دور أكثر إثارة في نفسك وعقلك، وهنيئا لك التحدي.