شعرت بحزن شديد لانني لم ادلي بشهادتي في العدد الخاص من جريدة الزمان بمناسبة صدور العدد (6000) من هذه الجريدة المخضرمة التي انطلقت قبل عام 2003 واستمرت لليوم بالرغم من العواصف الهوجاء التي اجتاحت الصحافة والصحفيين وهم يعيشون هذه الايام صدمة حريتهم وازمة قياداتهم بكل مستوياتها، والذين مازالوا يكررون شعاراتهم الانتخابية ووعودهم العسلية ومازال ينقصنا الشىء الكثير من الكرامة الانسانية والمهنية..؟
مصدر حزني انني كنت غارقا في تاملات (اجتاحتني) وانا استذكر ايام المحنة وذكرى يوم السقوط، حيث كنا نعد الثواني في منفانا الاجباري لقدوم هذا اليوم متوهمين انه انعتاق وتحقيق لنبؤة كان يرددها المصلح الكبير مارتن لوثر كنك(كان لي حلم)، وكان لنا ايضا حلم في التحرير وبناء وطن حر سعيد بطريقة غير عقائدية.. وكان لنا مع الزمان ورئيس تحريرها الزميل سعد البزاز في عمان مواقف مشتركة مع حشد من المثقفين العراقيين وهم يعيشون (تيههم مع المعارضة) ولانبالغ ونصفه بانه لايقل قسوه عن تيه بني اسرائيل في سيناء فكان لهم ايضا حلم ووعد تحقق فعلا في فلسطين مثلما تحقق حلم لوثر كنك وتحررملايين الملونيين في المدن الامريكية ،ومازل حلمنا (جرحنا) العراقي مفتوحا حتى هذه اللحظة ويحاول الربان (الجراح) ان يهدىء من روعنا ورعبنا في شعاراته الانتخابية واحلامه الوردية عبر كوميديا دعايته الانتخابية (من اقصى اليسار لاقصى اليمين) ونكتشف في كل مرة وبعد اعلان النتائج بان هذه الكوميديا كانت سوداء وان ماسقيناه في سنوات الانتظار (الشعارات) ما هو الا الملح الذي طمرت فيه جراحنا العميقة والغريب ولحسن نوايا شعبنا الطيب انه مازال يحلم والزمان مازالت ترصد هذا الحلم والذي يابى ان يخرج من عالمه الافتراضي ليتحقق على ارض الواقع في لقمة بسيطة لكنها شريفة، وفسحة من الامل والحرية والعدالة تضمن تضامننا وحبنا لوطن واحد لاتتصارع فيه المكونات ولايثري فيه الجهلة وينهبون المليارات ويحمون انفسهم في المنطقة الخضراء والسفارات ويتركون شعبهم في المناطق الحمراء تلتهم اجسادهم المفخخات وتهينهم ذئاب الاحزاب والعشائر المنفلته وتمارس مع عصابات الجريمة المنظمة هواياتهم في الثراء الفاحش الذي شوه وجه بغداد والمدن الاخرى وضيع هوية الانسان والمكان.. ومازلنا نحلم وترصد الزمان حلمنا الغائب، واحلام الف ليلة وليلة وحكاياتها المثيرة تحققت لساسة الصدفة وحفاة الزمن الذي كان وعوضوه بالمليارات والعقارات والاطيان والمناصب الرنانة واعلى الشهادات وجمع احلى النساء مثل التحفيات، تاركين لنا النفايات وشتى انواع الابتلاءات بسبب سياسة المحاصصة والولاء قبل الكفاءة والاداء..!
جمعتنا غرفة صغيرة في الكاردنس في عمان عشية بدء العمليات العسكرية وكان البزاز بيننا والراحل العزيز الذي مات بعد ذلك في غربته الكندية عبد الستار الناصر، وكنا نتبادل الحوار والشرح والتفصيل للمقال الافتتاحي للبزاز (الربع ساعة الاخيرة)،.
وكان السؤال الكبير ماذا نفعل، وكان البزاز منشغلا بجمع تجهيزات طباعية لارسالها للوطن استعدادا لطبعة بغداد فقد ترتب الامر مع مجموعة من الزملاء في عمان وبغداد.. وصرخ الجميع ما العمل وكان هنالك في مكان اخر من يوزع بدلات المارينز للدخول مع الامريكان للكيلو 160 مع المارينز واخرين ينظمون قصائد الشعر عن التحرير وبيانات التاييد، وبعضهم كان مصرا على استكمال اوراق هجرتهم للمنافي البعيدة بعد ان تخلوا عن حلمهم في الوطن وكانت توقعات مبكرة واتحهت بوصلتهم لوطن بديل لم يره بعضهم بعد ان غرقت بهم سفنهم في اعالي البحار والتهمتهم الحيتان في ابشع مشاهد للموت ومن نجا منهم يعاني الان من الصدمة والاكتئاب.
ماذا نفعل يا ابا الطيب وجاء صوتنا بالاجماع لندون ميثاق وطني نعلن فيه مبادىء شرف لبناء وطن حر يضمن وحدة العراق وكرامة الانسان ولايسمح مطلفا بالهيمنة وعودة الدكتاتورية، ومبادىء اخرى مستمدة من حلم الوطن والمواطن ونشر(ميثاق وبيان المثقفين العراقيين عشية عودتهم للوطن) على الصفحة الاولى من الزمان بعد ان وقعه البزاز ووقعت بعده ثم الناصر وعشرات اخرين واحدث ضجة كبرى، وجدت نفسي بعدها متهما بتشكيل تنظيم يعكر امن الدول المجاورة بتحريض من كنا نظن انه ربان امين لسفينتنا وهي تبحر باتجاه الوطن، وعزز هذا الاتهام مقال نشرته في الزمان في زاويتنا اليومية بعنوان (ماذا بعد سقوط الصنم؟)
ويبدو ان طريقتي في الكتابة وانا استلهم عذابات الانسان العراقي(ايوب العصر) كانت في كل مرة تحطم احلامي، لابدء من جديد على طريقة بطل رواية اسطورة زيزيف.. بعد ايام وجدت نفسي وعيالي مرميا على الحدود العراقية في مداخل طريبيل تكاد سرف دبابات الاحتلال ان تمزق اجسادنا.
خجلت من نفسي ومن اطفالي الذين حطمت احلامهم الشخصية بسبب مغامراتي وحلمي بالحرية وبالوطن السعيد الذي تحول لجحيم ومازالت الزمان ترصد ونحن نحلم ونكتب ونقف في طوابير المسالة والعدالة بتهمة عرقلة الجهد الوطني لقادة الكتل في تحقيق حلم الشعب والضرب بيد من حديد لاوكار الفساد. ونتهم ايضا باننا معارضة ونحتاج شهادة من ابناء سقط المتاع لكي يزكون ساحتنا من اتهامات ملفقة تجد من يصغي لها بعض الذين صدقوا انفسهم بانهم قادة كبار في الحرب والاعمار.. ومنابر صاحبة الجلالة.
تحية للزمان يوم ولدت لتكمل مسيرة السمعاني، وتحية لها وللعاملين فيها من الذين يحلمون معنا في الاصلاح والتغيير الوطني والمهني، ويضعون الاساس لجريدة وصحافة حرة تمثل صوت المواطن عبر كل الازمنة.