ليس في عنوان مقالتنا لهذا اليوم اية مبالغة او اثارة صحفية لاثارة انتباه الراي العام او رئاسة الحكومة والبرلمان فهم غارقون في صراعاتهم الانتخابية وحربهم غير المقدسة للهيمنة على مقاعد البرلمان وتقاسم حصص الوزارات والهيئات والمفوضيات، اما قضية الشهداء فلا يتذكرونها الا بالمناسبات والخطب الرنانة.
ان اهمال الشهيد يعبر عن اهمال واستخفاف بأشياء جوهرية في سلمنا القيمي، بوصفه دلالة رمزية لأقصى ما يمكن ان يجود به الانسان لوطنه بروحه وحياته ومستقبل عياله، وما لهذه الرمزية من قدسية في تراثنا الانساني، ومترسخة في وجدان الانسان ومنطبعة في ذاكرة الشعوب، ولهذا تخصص الشعوب المتمدنة للشهداء صروح عملاقة تتسم بالجمال والسمو والهيبة تحرك مشاعر الناس بأعمارهم كافة من الاطفال فيتساءلون عن سر هذا المكان فنعطيهم درسا جذابا في حب الوطن، وتمنح الكبار خاصة ذوي الشهداء انطباعا بان الشعب وحكومته وبرلمانه عبروا بصدق عن احترامهم لأرواح الشهداء التي تحلق فوق رؤوسهم تطالب بالوفاء لتضحياتهم وتحقيق احلامهم بوطن معافى يسمو بقوته وسعادة مواطنيه ونزاهة وذكاء قياداته التي تضحي من اجل المبادئ وتتنافس بشرف لخدمة الوطن والمواطن ولا تتصارع بنذالة في معركة المناصب والكراسي.
نصب الشهيد في العالم كله يعنى باهتمام مبالغ فيه فيتحول لجنة مدهشة تشابه جنات الشهداء عند ربهم، تجذب الناس لزيارته والتجوال في متاحفه ومسارحه وحدائقه واروقته ويطلعون ويتعرفون على الشهداء وقصصهم ومواقفهم عن طريق عروض ذكية مختصرة ابدع فيها فنانون كبار، والاهم ان تتحول زيارة هذا المكان لتقليد وثقافة شعبية ورسمية ووطنية، فكم ادهشني طوابير العرسان وهم يحملون ليلة زفافهم باقات من الورد ينثرونها على طول الطريق المؤدي للضريح الرمزي للشهيد في موسكو وبرلين وباريس ومدن العالم كلها الا نحن فقد وصل الاهمال لأجمل نصب للشهيد في بغداد حتى ظن الناس ان الحكومة تريد ان تهدمه وتلغي اثره.
ان حمى الاستثمارات الفاسدة امتدت لكل مكان ووصلت لنصب الشهيد واحاطته بهياكل حديدية تمهيدا لإنشاء مطاعم تكمل ما اقتطع ليتحول لمدينة العاب وفضائية لرئيس الوزراء، وتسبب ذلك بتشويه للمنظور الجمالي المهيب لهذا النصب الشامخ بقبته وما تحيطه من بحيرة ومعالم اخرى ستندثر وستختفي صورتها اكراما للاستثمارات غير المبررة التي توفر الاموال لتجار السحت الحرام بغض النظر عن كل القيم النبيلة، ولذا كنا نتمنى من العراقيين الاصلاء كافة وفي مقدمتهم اسر الشهداء التظاهر والاعتصام والاحتجاج لمنع هذه الاستثمارات المشبوهة وربط هذا الموقع بأمانة بغداد وبإشراف دائرة خاصة ترتقي به ليكون رمزا لكل شهداء العراق بدون تمييز، واعادة الروح لمنشاته وتطويرها لتكون فعلا جنة على الارض تليق بالشهداء وتضحياتهم.
وتروي لنا بذكاء قصص البطولة والشجاعة فهي اسمى واشرف من كل استثماراتكم ومطاعمكم التي تعنى بتنمية الكروش ولا يعنيها غذاء الروح، فليسقط كل من روج ووقع عقدا للاستثمار وارتكب جريمة لاغتيال الشهداء الاولى على يد الارهاب واعداء الوطن والثانية على يد الاستثمار بل الاستعمار اللعين..
فانتظروا غضب الرب فهو لا يخيب استغاثة الشهداء وهم يقتلون مرتين بيد الارهاب ويد الاستثمار ..!