لم اكن مثل اغلب العراقيين محترفا للسياسة او محبا لطقوسها التي تلغي عقلك وتسلمه لغيرك، ولكننا اكتشفنا اننا نغرق في السياسة على الرغم من انوفنا، تطاردنا عبر وسائل الاتصال ليلا نهار ونجبر ان نتأمل صور المرشحين في كل مكان حتى على بوابات المرافق الصحية وتلتصق بحذائك وانت تجتاز الطريق العام..!
وهذا الكابوس يلاحقنا في كل مكان ولم نستطع الافلات منه، فبعضهم يطرق بابك ليعرفك بنفسه منقذا للبلاد من المجاعة والبطالة والفساد ويقدم لك حزمة من الشعارات المكررة يرجوك ان توزعها على اهل بيتك والمقربين لينالك الخير بعد فوزه، واخرين يكتشفون عبقريتك وابداعك ويسلمونك درعا هزيلا في احتفالات تتساوى في اغلبها كما يقول مثلنا العراقي مع احترامي للصلعان (الكرعة وام شعر).
اما قادة الكتل وتصريحاتهم عبر جولاتهم المكوكية في المدن والقرى وفي صحبتهم دائما رجل دين وشيخ عشيرة ومهوال وحاشية توزع الاموال، فيثير السخرية وتمنيت ان امتلك عبقرية الكاتب الايرلندي الساخر جورج برناردشو لرسمت لهم صورا قلمية تجعل اتعس الناس يبتسمون ويضحكون من اعماقهم لسخرية القدر الذي نصب هؤلاء في مواقع لتقرير مصير البلاد والعباد.
دعونا نتأمل ونقتبس بعضا مما قاله برنادشو من كلمات ساخرة تصح ان تصف مشهدنا السياسي، فحين يسال زعيم احدى الكتل فقيرا يسكن في العشوائيات، فذكرني هذا المشهد بموقف لبرنادشو (كان برنارد شو صديقا حميما لونستون تشرشل، رئيس وزراء بريطانيا، وكان هذا يحب النكتة البارعة فيتحرش ببرنارد شو ليتلقى قوارص كلامه. قال له تشرشل وكان ضخم الجثة: أن من يراك يا أخي برنارد _ وكان نحيل الجسم جدا_ يظن أن بلادنا تعاني أزمة اقتصادية حادة، وأزمة جوع خانقة. أجابه برنارد شو على الفور: ”ومن يراك أنت يا صاحبي يدرك سبب الأزمة”.
صدق برنادشو فلو اجرينا عمليات حسابية لكلفة الانتخابات ومصاريف مجلس النواب ومجالس المحافظات والهيئات والمفوضيات وهي جميعا حلقات زائدة لوفرنا المليارات لإنهاء الفقر في البلاد.
فثراء كل نائب ومسؤول هو فقر لمئات الالاف من المواطنين.!
لنعود لأقوال شو لتوصيف الحال بحكم محبوكة وواقعية (التقدم مستحيل بدون تغيير، واولئك الذين لا يستطيعون تغيير عقولهم لا يستطيعون تغيير اي شيء) . وهكذا فان برنادشو يؤمن بان المجرب لا يجرب تأملوا فلان وعلان وفلانه منذ خمسة عشرة سنه هل تغيرت عقولهم ام كروشهم وثرواتهم واساليبهم في خداع الناس..؟
والسلطة كما يقول شو لا تفسد الرجال انما الاغبياء ان وضعوا في السلطة فانهم يفسدونها، والافعال هي التي تؤكد على صحة المحبة للناس، اما الكلام فالكل فلاسفة.. ونسال برنادشو لماذا حصل لنا هذا فيقول (ان الديمقراطية لا تصلح لمجتمع جاهل، لان الاغلبية من (..) هي التي ستحدد مصيرك، اذا ما العمل (استمع ثم ابتسم ثم تجاهل، ليس من الضروري ان تأخذ كل شيء بجدية) وينصحنا كاتب اخر نعم ابتسم ولا تغضب ولا ترمي احدهم بحذائك فهو انفع اليك من كل وعودهم فلا تخسره وربما تخسر حياتك، اخي طالع رواية الساعة الخامسة والعشرون وتذكر خاتمتها بعد العذاب الرهيب لبطلها فكانت النصيحة ابتسم ابتسم ابتسم، وانا اقول وانتظر حتى تسقط ورقة التوت وقل لهم نحن نبتسم واسمعونا وتذكرونا باننا نستطيع ان نصرخ...!