لا أكتب في شيء لا أعرفه، وأقول في ما أعرفه:
لا أعرف. بل إنّني غالباً ما أقول هذه العبارة " لا أعرف "، لأنّني يمكن أن أضحك على الآخر بالادعاء، لكنني لا أحبّ أن أضحك على نفسي، الآخر يأتي لاحقاً.
وإذا أراد أحدٌ ما أن يُدلي برأي، فإنّني أصغي بحبّ لكلّ كلمة يقولها، محاولة في العثور على قراءة أخرى مختلفة لأيّ تفصيل من تفاصيل حياتنا اليومية أو لأيّ حدث تاريخي، بشري أو طبيعي، لأنّني أعرف جيّداً أنّ ما نعرفه وما نتداوله من حقائق كيقين صارم هي محض أراء أدلى بها أشخاص وتبنّاها آخرون فامتلكتْ بذلك سلطتها وجبروتها.
***
بالتأكيد، لا يخلو قول من ميل عاطفي، لكن، في حالة البحث عن الحقيقة أو ما يقاربها، فعلينا أن نكون حذرين جدّاً من ميولنا العاطفية ومدى تأثيرها سواء على الإصغاء لذواتنا، أو في تبنّي رأياً ما. علينا أن ننتبه للفخّ الذي ننزلق فيه بإرادتنا دون وعينا لذلك.
***
سيبدو كلّ صراع إجتماعي طفولياً حين نرتفع بأنفسنا فوق ما يجعل الرؤية ضيّقة ومحدودة، كلّ الصراعات ستبدو تافهة وبلا قيمة لأنّها نتاج محددات ضيّقة، وأن الارتفاع فوق تلك المحددات سيجعل الفرد كإنسان أقرب الى الآخر المختلف، لكن تحت مظلّة إنسانية أكثر سعة.
عندما نرتفع بأنفسنا فوق المحددات الضيقة كالاعراف والاديان وما يتبع ذلك من ولاءات، أقول: الارتفاع فوق هذه المحددات يجعل اهتمامنا يأخذ جهة أخرى، وبُعداً آخر.
لن نقف طويلاً أمام بياض صفحة هذا وسواد صفحة ذاك، صراع البياض والسواد أو صراع الخير والشر، هو في جوهر صراع تافه، لأنّه لا يقود إلا الى تحجيم الفاعلية، وتضييق سعة الرؤية.
***
بطبيعة الإنسان أنّه حالم، وأنّه يريد، بل إنّه لا يكفّ عن الحلم ولا يشبع مما يريد.
لكن اتجاه الصراع وقيمته تجعل الحلم وما يريد كلاهما أقرب الى نرجسية تافهة، وهنا لا أقصر الحديث على الفرد بل على الشعوب أيضا، فمن السهل جداً أن ترى شعوباً بأكملها تركض أو تنضوي تحت صراعات تافهة، تراها تبيد بعضها البعض وكأنّهم جميعا قد بلغوا عبر إبادة الاخر المختلف الى أقصى أقاصى الحلم والتمني.
بل لعلّهم وصلوا حقاً، وصلوا فقط لضيق ومحدودية ما يحلمون وما يريدون.
***
نعيش على كوكب نكتشف كلّ يوم ضآلته في الكون، كلّ يوم تنمو المعرفة البشرية، ليس على صعيد السبعة مليارات إنسان، بل الذين يبحثون بعيدا عن الاعتقادات الجاهزة وبعيداً عن الأدلجات وبعيداً عن الموروثات المهيمنة، أولئك فقط يعرفون قيمة الانسان الحقّة، ويسعون الى البحث عن نوافذ جديدة أخرى خارج الأرض يمكن للإنسان الحق أن يواصل حياته لو أنّ الغباءات التي على الارض قادتها الى نهاية مأساوية.
***
أريد أن أقول: أنّ سعة الفرد تُقاس من سعة حسّه الإنساني فقط، لأنّ كلّ ما سوى ذلك فضيّق ومحدود وتافه.