أضع العنوان جانباً وأفكّر في ما يمكن أن تفصح عنه الكلمات، وأضحك في سرّي، العنوان سيبدو كما لو أنّه بشرى سارّة، لكن من يدري ما الذي يمكن أن يخرج الى الضوء في سطور قليلة؟
ومن سيكون المعني بكلّ ذلك؟
***
أعرف أنّنا عالقون بشراك اللغة، عالقون بالأسماء وأفعالها، أسماءٌ معمّاة، وأفعال مغلّفة بصيغ المبني للمجهول، في تاريخ فوضى طويلة، لا الإسم يدلُّ فيها ولا الفعل يُشير.
***
نحن غرقى اللغة، نُخرِج آخر أصابعنا من الماء، علّ لغة أخرى تنتشلنا، لطالما فعلت ذلك لغات بغرقى لغات أخرى.
***
لغة أخرى تفتح الباب، فتدخل بوعد جديد، حياة جديدة، هكذا دخلت لنا أسماء الورد كالجلّنار والنرجس والنسرين، بعد أن كانت اللغة منحسرة على العشب والشجر.
الحدائق ثقافة ليست عربية، هكذا دخلت الحدائق من الشمال (العراق وايران) بعد أن زحف الجنوب العربي مهووساً بسبي الجَمال.
***
الخروج من الصحراء كان خروجاً للغة أيضاً، بهذه الطريقة إنفتحت اللغة، علينا أن ننتبه، بعض الكلمات مسبيّة داخل اللغة، خصوصاً تلك التي لا تعرف التأقلم ضمن بيئة جافّة قاسية.
***
كان القمر وهالته حاضرين في اللغة، بل يمكننا أن نتحسّس ذلك في أخبار اهل العشق الذين كانوا وما زالوا ينتظرون بصبر ليالي المحاق، العتمة والمطر والرغبة، نوافذ الود والغرام، هكذا تخبو الرقابة فينمو الشوق وتنمو الحاجة.
يحدث ذلك أيضاً في صخب الطقوس والمآتم.
الشرقي يرفع الرقابة في لحظات الحزن، إنّه ينشغل بحزنه أو ينشغل بولائه عن دوره الرقابي الثقيل.
ألهذا تكثر طقوس الحزن في ثقافتنا؟ هل هي نافذة للتحرّر من الرقابة؟ نافذة للطرفين، المرأة والرجل.
***
في داخل كلّ نظام صارم هناك فسحة، تختلف من مكان الى آخر، ومن زمن الى زمن، فسحة ينسى الرقيب فيها دوره أو يتناساه، هكذا يبدو سالياً، ولعلّه غير سالٍ!
ثمّة ما يشير الى معرفة الرقيب (لقد تمّ نقل قصيدة المعرّي في هجاء نقيب الطالبيين من خانة الهجاء الى خانة الإفتخار والنسيب)، ولعلّ المدوِّن يسعى الى استغفال الرقيب عبر التعمية.
***
بهذه الطرق تمّ ويتمّ تهريب الحقائق التاريخية، وما علينا إلا أن نجعل مجسّاتنا أكثر قدرة على الإصغاء والإلتقاط، الحقائق التاريخية مدوّنة هنا أو هناك، سواء بالكلمات، أسماء وأفعال، أو برموز وإشارات أخرى.
الحقيقة هنا وهناك، لكنّها لا تعطي نفسها طوعاً. ألهذا يتمّ السكوت عنها رقابياً؟