تعنيني اللغة كثيراً، ليس لأنّني أُقيم فيها، بل لأنّها التحدّي الأكبر لي في فهم من أنا؟ ولماذا؟ وإلى أين؟
***
ومع هذا، فاللغة التي تبدو نافذة ومفتاحاً للفهم، غالباً ما تكون العائق الأكثر إرتفاعاً والأكثر ضيقاً أيضا.
***
يسحرني تتبّع جذور الكلمات، البحث عن أصولها، من أين جاءت ، وماذا كانت تعني في البدء، وهل حافظت على معناها الأوّل، أم أنّها ضاقت على المعنى، فخلعها وقفز الى كلمة أخرى، وغالباً ما أجد ما يجعلني مأخوذاً بسحر اللغة، وسحر تحوّلاتها، بل يسحرني هذا التضاد الذي يتلبّس بعض الكلمات، فكلمة مثل (سُدَف ) تعني الظلام عند قوم، وتعني الضياء عند آخرين.
كيف ينقلب المعنى؟ أو كيف تمتلك كلمة واحدة معنيين متضادّين؟
***
الرجوع الى أصول الكلمات يفتح نافذة المعنى، بل يجعلني أكثر إحاطة بالتحوّلات التاريخية الكبرى يجعلني أجلس على القمّة وأُشرِفُ من هناك على اللعبة الكبرى، من قفز فوق من؟ ومن سرق من؟
كيف تمتدّ الخيوط وتتشابك في النسيج الهائل، بل كيف إلتبس المعنى وضاع في زحمة التحوّلات؟
وكيف تمّت تعمية الجذور الأولى حتى غاب الأصل وبقي التابع كأنّه البداية الأولى؟
***
سحر اللغة غالباً ما يقودني الى تقليب بطون القواميس، وتتبّع شجرة عائلة كلمة ما، والتنقّل معها عبر حدود غامضة، لكنّها مدهشة أيضا. البحث في متحجّرات اللغة بحدّ ذاته عمل شعري.
***
البحث عن بكارة كلمة واحدة هو في حدّ ذاته مشي على حبل مربوط بين شعوب وبلدان. هكذا، تعبر الكلمة بحاراً ومحيطات، تتسلّق جبالاً وتهبط أودية، الكلمة تركب بعيراً وتقطع الصحراء أيضا.
الكلمات تهاجر كالأفراد والشعوب. هجرات تكاد أن تكون سرّية وغامضة لولا ما تتركه من أثر لاحق على اللغة الحاضنة.
***
بعض الكلمات تهرم بسرعة إن لم تجد لها بيئة حاضنة، بل تنضوي كظلٍّ تحت غصن كلمة أخرى، تندرج كظلٍّ ضمن معانٍ أخرى، أو معنىً آخر في الجوار .
***
إنّني أتحدّث الآن وأشعر بغربة اللغة حين تحاول أن تقول شيئاً لكنّها تشعر بالقصور عن ذلك.